إيلاف من برلين: شهد مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الـ75 لحظة استثنائية بتكريم الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون بجائزة الدب الذهبي الفخري تكريمًا لمسيرتها الفنية المتميزة. غير أن الاحتفاء بهذه الأيقونة السينمائية لم يخلُ من الجدل، حيث أثار خطابها خلال الحفل، وتصريحاتها اللاحقة في المؤتمر الصحفي، نقاشًا حادًا حول قضايا سياسية شائكة.
تكريم سينمائي يتحول إلى منبر سياسي
أُقيم حفل التكريم وسط حضور واسع من نجوم السينما، ونقاد، وصناع أفلام، وشخصيات ثقافية وسياسية بارزة. بدأ بعرض مقاطع مختارة من أبرز أعمال سوينتون، مثل We Need to Talk About Kevin، Only Lovers Left Alive، وThe Grand Budapest Hotel، مما أكد على مساهمتها الاستثنائية في السينما المستقلة والتجارية.
عند صعودها إلى المسرح، بدت سوينتون متأثرة وأشادت في بداية خطابها بقوة السينما كأداة تجمع بين الثقافات والأصوات المختلفة، قائلة: “السينما هي الفن الذي يوحدنا ويمنح صوتًا لمن لا يُسمع لهم.” غير أن الأجواء سرعان ما تغيّرت عندما انتقلت للحديث عن قضايا الاحتلال والاستعمار، مشيرة إلى “المجازر التي تُرتكب بغطاء دولي”. على الرغم من عدم ذكرها أسماء دول محددة، إلا أن الجمهور أدرك المقصود، ما أدى إلى انقسام واضح في ردود الفعل؛ بين تصفيق داعم، وصمت يعكس عدم الارتياح لدى البعض.
في أبرز لحظات الخطاب إثارة للجدل، صرّحت سوينتون: “العالم يشهد مجازر تُنفذ باسم السلطة، بدعم من حكومات تدّعي الحرية والعدالة. علينا تسمية الأشياء بمسمياتها، والوقوف إلى جانب المظلومين دون خوف أو تردد.” وجاءت أكثر اللحظات حساسية عندما ذكرت فلسطين، حيث قوبلت بحفاوة من بعض الحاضرين، لكن التصفيق خفت فجأة عند ذكرها لكلمة “إسرائيل”، مما كشف مدى حساسية الموضوع داخل المهرجان.
تصريحات نارية في المؤتمر الصحفي
في صباح اليوم التالي، زاد الجدل خلال المؤتمر الصحفي، حيث سُئلت سوينتون عن دعمها لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، خاصة بعدما نشرت سابقًا دعوة لمقاطعة المهرجان بسبب موقف ألمانيا من القضية الفلسطينية.
جاء ردها واضحًا: “أنا مؤمنة تمامًا بحركة BDS وأحترم مبادئها. نعم، كنت قد دعوت للمقاطعة، لكنني قررت الحضور لأنني شعرت أن من واجبي استغلال هذا المنبر لإيصال رسالتي بوضوح.”
أثار هذا التصريح موجة من الأسئلة والانتقادات، حيث تساءل بعض الصحفيين عن التناقض بين دعوتها للمقاطعة ومشاركتها الفعلية في المهرجان. أجابت سوينتون قائلة: “أؤمن بالمقاطعة كأداة مقاومة، لكني أؤمن أيضًا بضرورة استخدام المنصات المتاحة لإيصال صوتي. أعتقد أن حضوري هنا كان أكثر تأثيرًا من غيابي.”
تباين ردود الفعل
أحدثت تصريحات سوينتون انقسامًا واسعًا بين الأوساط الإعلامية والسينمائية. بعض وسائل الإعلام الغربية وصفتها بـ*“الفنانة الشجاعة”* التي لا تخشى الدفاع عن قناعاتها، فيما اعتبرها آخرون “غير مسؤولة”، متهمين إياها بإدخال المهرجان في جدل سياسي قد يؤثر على صورته.
أما داخل الدوائر السينمائية، فقد تباينت الآراء؛ حيث أبدت شخصيات مثل المخرجة الألمانية جوليا فون هاينز والممثل كريستيان بيركل دعمهم لها، مؤكدين على أهمية حرية التعبير في الفن. في المقابل، رأى آخرون أن المهرجان يجب أن يظل منصة فنية بحتة، بعيدًا عن الخطابات السياسية التي قد تثير استقطابًا داخل مجتمع السينما.