في الحادي والثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) 2003، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وطلبت من الأمين العام تكليف مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة تولي مهام أمانة مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية، واختارت الجمعية العامة يوم التاسع من كانون الأول (ديسمبر) يوماً سنوياً كيوم دولي لمكافحة الفساد من أجل إذكاء الوعي عن مشكلة الفساد والتعريف بدور الاتفاقية في مكافحته ومنعه وفي كانون الأول (ديسمبر) 2005 دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ.
وللمملكة العربية السعودية تاريخ حافل بمكافحة الفساد وتعقّب الفاسدين منذ قديم الأزل، لكنها أصبحت أكثر صرامة في عهد مليك الحزم والعزم مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه، عندما أسند بأمر ملكي كريم في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2017 إلى ولي عهده القوي الأمين سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه رئاسة اللجنة العليا لمكافحة الفساد التي ضمّت في عضويتها أصحاب المعالي: رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيس ديوان المراقبة العامة والنائب العام ورئيس أمن الدولة وقامت اللجنة استثناءً من الأنظمة والتنظيمات والتعليمات والأوامر والقرارات بحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام وكذلك التحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر واتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام ،كما نصّ الأمر الملكي الكريم بأن للجنة الاستعانة بمن تراه ولها تشكيل فرق للتحري والتحقيق.
ولئن كان وزير الخدمة المدنية السعودي السابق خالد بن عبدالله العرج قد أُعفي بأمر ملكي من منصبه في الثاني والعشرين من نيسان (أبريل) عام 2017 بسبب ثبوت ارتكابه تجاوزات واستغلال للنفوذ والسلطة فإن صولة الحق الخالدة انطلقت برئاسة سمو سيدي ولي العهد منذ الأمر الملكي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، فبدأت الحملة التاريخية بالملاحقة القانونية لعدد من كبار مسؤولي الدولة والعائلة الحاكمة وشخصيات اقتصادية شهيرة بتهم الفساد وتحفظّت الحكومة السعودية على أموال المتهمين ووضعت طائراتهم الخاصة تحت الحراسة لمنع هروبهم كما تم تشديد المراقبة على المطارات لمنع هروب أي شخص لا يزال تحت التحقيق، وبدا وكأن شعار الحملة لكل فاسد (معاليك.. إنه ليس من مالك ولا من مال أبيك!) فوقع الفاسدون في شرّ أعمالهم ولم تُغن ِ عنهم مناصبهم وشخصياتهم الاعتبارية شيئاً.
في الثالث والعشرين من تموز (يوليو) الماضي، وافق مجلس الوزراء السعودي على نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد الجديد الذي يهدف إلى حماية النزاهة ومكافحة الفساد وتعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة، وكان من أبرز المواد في النظام الجديد التأكيد على ارتباط الهيئة بالمقام السامي لجلالة الملك حفظه الله ورعاه، وتمتعها بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المادي والإداري ومباشرتها لعملها بكل حياد ودون تأثير من أي جهة وليس لأحد التدخل في عملها، وكذلك تعريف الجرائم التي تُعدّ جرائم فساد وهي جرائم الرشوة والاعتداء على المال العام وإساءة استعمال السُلطة وكذلك أي جريمة أخرى يُنص على أنها جريمة فساد بناءً على النظام، بالإضافة إلى عدد من المواد المختصة بالجانب الفني والإداري، غير أن أكثر مادة استرعت انتباهي هي المادة التاسعة عشر فلماذا هذه المادة بالذات؟
إقرأ أيضاً: تاريخ القمم الخليجية في دولة الكويت
لا أخفيكم سرّاً بأنه من واقع متابعتي القديمة لكل ما يتصل بموضوع مكافحة الفساد وتعقّب الفاسدين وكتابتي لعدة مقالات سابقة عنها منذ صولة الحق عام 2017 أصبح لدي شغف كبير لمتابعة جميع ما يطرأ في هذا السياق من مستجدات، لذلك وجدت في المادة التاسعة عشر ما يسرّ كل مواطن شريف محب للنزاهة والعدالة واسمحوا لي بسرد نصّ المادة كاملاً: (إذا طرأت على ثروة الموظف العام ومن في حُكمه بعد توليه الوظيفة زيادة لا تتناسب مع دخله أو موارده بناءً على قرائن مبنية على تحريات مالية بارتكابه جريمة فساد؛ فيكون عبء الإثبات عليه للتحقق من أن ما لديه من أموال نقدية أو عينية تم اكتسابها بطرق مشروعة ويشمل ذلك زوجته وأولاده وأقاربه من الدرجة الأولى، وفي حال عجزه عن إثبات مصدر مشروع لها تُحال نتائج التحريات المالية إلى الوحدة للتحقيق معه واتخاذ ما يلزم نظاماً لرفع الدعوى الجزائية أمام المحكمة المختصة لطلب معاقبته وفق المقتضى الشرعي والنظامي على أن تشمل الدعوى على طلب استرداد أو مصادرة الأموال المتصلة بالجريمة في حال ثبوتها).
واليوم في ذكرى اليوم العالمي لمكافحة الفساد، يحق لكل مواطن سعودي أن يفخر بقيادته التي أثبتت على أرض الواقع بأنه لا حصانة لفاسد والكل يتذكر كلمة سمو سيدي ولي العهد حفظه الله ونصره الخالدة في إحدى اللقاءات التلفزيونية: (لن ينجو فاسد ثبت بالدليل القاطع تورطه في قضايا فساد).