كانت قضية مقتل الرهائن الإسرائيليين الست بمثابة القنبلة التي انفجرت في قلب إسرائيل، وسط موجة غضب عارمة من سكان دولة الاحتلال وبكاء أهالي الضحايا. كان هذا الحدث بمثابة عود ثقاب في قلب بنيامين نتنياهو، بعدما انقلب الرأي العام داخل الكيان المحتل ضده، ودخوله في عداوة مع كبار المسؤولين الأمنيين واتهامه بالتضحية بالمخوطفين من أجل إنقاذ حكومته. إلا أنَّ رئيس الوزراء تعهد بجعل حماس "تدفع الثمن"، وأكد التزامه بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين المتبقين والقبض على المسؤولين عن قتل الرهائن الستة في أسرع وقت.
وبينما تبادل الطرفان الاتهامات، حمّلت حماس المسؤولية الكاملة لإسرائيل في هذا الحادث، مؤكدة أن قتل الأسرى الستة تم جراء القصف الصهيوني على قطاع غزة.
وإذا افترضنا ضلوع حماس في هذا الحادث، فقد يكون ذلك لتحقيق عدة أهداف، أهمها: الضغط على الكيان المحتل والمجتمع الدولي لتحقيق أغراض معينة، أو محاولة لردع الهجمات الجديدة على غزة، أو استخدام الرهائن المتبقية كورقة ضغط للحصول على تنازلات أو وقف إطلاق النار. وأخيرًا، قد يكون بدافع الانتقام ردًا على الخسائر التي تعرضت لها الحركة، خاصة بعد أن أصدرت تعليمات جديدة لحراس الرهائن بشأن التعامل معهم في حال اقتراب قوات إسرائيلية من مواقع الاحتجاز، ما يعزز فرضية تصفية المحتجزين. وبالعودة إلى تصريحات أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، بعد اندلاع "طوفان الأقصى"، قال إنَّ الكتائب ستعدم رهينة من الرهائن الإسرائيليين عند كل قصف يستهدف منزلاً في قطاع غزة، وأن العدو لا يفهم لغة الإنسانية والأخلاق وأنهم سيخاطبونه باللغة التي يعرفها.
لكن بتصرفها هذا، تكون حماس قد تعاملت بوحشية وغير إنسانية، وهو سلوك ترفضه الشريعة الإسلامية، فالإسلام لا يبيح القتل بهدف تأجيج الأوضاع من أجل تحقيق مصالح فردية للحركة التي ترغب في العودة إلى حكم قطاع غزة والتحكم بكل صغيرة وكبيرة فيه، لتصبح هي القوة المُسيطرة والمتحكمة في الأوضاع على حساب السلطة الفلسطينية التي تتعامل بهدوء ودبلوماسية في حل الأزمات، وتحرص على مصلحة الشعب الفلسطيني، بل وتتجنب كل ما يؤجج الأوضاع أو يفجرها كحرب غزة، وتحاول أن تبعد المدنيين عن أي صدام مع الاحتلال قد يسفر عن تصفية أو إبادة جماعية كما حدث بسبب سوء سياسات حماس وتفكيرها الأوحد في مصلحة الحركة وليس مصلحة الشعب.
وعلى صعيد السياسة، فإنَّ اتفاقية جنيف الثالثة حددت معاملة أسرى الحرب من منظور إنساني، وهو ما لم تلتزم به حماس. هذا التعامل يقوم على أساس الحفاظ على الحماية التي توفرها الاتفاقية لأسرى الحرب في النزاعات المسلحة الدولية. فالمبدأ الأساسي الذي ترتكز عليه هو وجوب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، ووفقًا للمادة 13، يُشكل التسبب في الوفاة، وتعريض الصحة للخطر، والترهيب، والإهانة، وأي شكل آخر من أشكال المعاملة اللاإنسانية أو المهينة انتهاكًا لهذا المبدأ الأساسي.
كما تستند معظم قواعد الشريعة الإسلامية ذات الصلة بمعاملة أسرى الحرب إلى السوابق الأولى، والتي تعود إلى آذار (مارس) من العام 624 الميلادي، عندما أسر المسلمون سبعين رجلًا من مقاتلي الأعداء في معركة بدر. وفي ظل عدم وجود تشريع خاص بشأن الوضع القانوني لأسرى الحرب أو وجود أماكن احتجاز معدة لهم، شكل إيواء هذا العدد الكبير نسبيًّا من أسرى الحرب تحديًا كبيرًا. لكن بدلًا من اللجوء إلى الخيار الأسهل، والذي يحتمل أن يكون أقل إنسانية؛ مثل تركهم مقيدين في العراء، احتُجزت مجموعة من السبعين أسيرًا في المسجد، ووُزِّع الباقون على صحابة النبي محمد ليقيموا معهم في بيوتهم. وقد أمرهم الرسول بحسن معاملة الأسرى في قوله: "استوصوا بالأسارى خيرًا".
كما وثّق القرآن الكريم وكتب السيرة العديد من الأمثلة على المعاملة الإنسانية التي لقيها أسرى الحرب على يد صحابة النبي محمد امتثالًا لهذا التوجيه. على سبيل المثال، في ما يتعلق بالطعام، روى بعض الأسرى كيف كان المسلمون يقدمون أفضل الطعام المتاح آنذاك لهم، بل ويفضلونهم على أنفسهم إعمالًا لتعليمات الرسول.
إقرأ أيضاً: إمبراطورية عائلة السنوار: المال أهم من القضية
ورغم كل هذا، لم تلتزم حركة حماس بتعليمات الشريعة الإسلامية في معاملة الأسرى أو حتى الاتفاقيات الدولية أو نصوص القانون الدولي، وكأنها تتعامل بنفس سياسات الاحتلال الوحشية التي استخدمها في غزة، كقتل الأطفال والنساء بدم بارد، وترويع الآمنين، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها، وكذلك قتل السجناء الفلسطينيين وتعذيبهم في سجون الاحتلال، ومحاولة طردهم من أرض غزة إلى أي منطقة خارجية لتخلو فلسطين لليهود فقط!
وإذا عدنا إلى سلوكيات حماس، فهي مرفوضة من كل مسلم وعربي، رغم "الشو" الإعلامي الذي تحاول الحركة الترويج له باستمرار حول المعاملة الإنسانية مع الأسرى. فقد ظهرت مقاطع فيديو لمقاتلي حماس تظهر جانبًا من التعامل الإنساني مع الأسرى في بداية الحرب، لكن يبدو أنَّ الحركة غيرت منهجها أو ظهرت على حقيقتها في هذا الحدث لتزيد الحرب اشتعالًا وتؤجج المنطقة بأكملها، وتحولها إلى ساحة حرب مفتوحة دون أن توافق على أي مبادرة سلام أو حديث وسطاء الهدنة.
إقرأ أيضاً: دلالات زيارة عباس المرتقبة إلى غزة.. هل تنهي الكابوس؟
أمَّا بالنسبة إلى إسرائيل، فهي الأخرى وضعت منذ فترة مشروع قانون إعدام الأسرى الذي جاء في إطار المزايدات التي يريد منها وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير أن يكرس قدرته على تحقيق وعوده الانتخابية للناخبين. لكنه قانون مقنع ترغب تل أبيب به في ممارسة الإعدام خارج إطار القانون. ورغم ذلك، فهي لا تحتاج لمثل هذه القوانين، لأنها تقتل بسبب ومن دون سبب، وتمارس جرائم قتلها للمواطنين بشكل يومي. لذلك، إذا تم تمرير القانون في الكنيست، فسيشكل ذلك نقطة لصالح الشعب الفلسطيني من الناحية الاستراتيجية، إذ سيظهر دولة الاحتلال على حقيقتها كدولة فاشية عنصرية وقاتلة، وتتصرف كعصابة، وهذا سيخدم القضية الفلسطينية بشرط أن تبتعد "حماس" عن المشهد، وتنتهي أفعالها وجرائمها التي تُحسب على الشعب الفلسطيني الذي يُنكر الحركة من الأساس.
ربما تكشف الأيام القليلة المقبلة عن مفاجآت بشأن مستقبل "حماس" في غزة بعد هذه الجريمة، وربما أيضًا يكون هذا الحدث السطر الأخير في مسيرتها السياسية لدى الشعب الفلسطيني بعد أن أشعلت عود ثقاب في المنطقة لكنه سيحرقها أولًا قبل أن يحرق الكيان المحتل.