: آخر تحديث

لماذا نترقب عثرات المبدعين؟ ابحث عن عقلية السوشيال!

18
17
15

في صحافتنا التقليدية وإعلامنا القديم مقولة قتلناها بحثاً وتكراراً، تقول "الخبر إذا عض الرجل كلباً، وليس إذا عض الكلب رجلاً"، مما يعني أن الخبر المثير هو الخبر الغريب، بل السلبي "جداً".

كنا نعلم أنها قاعدة ذهبية لمن يبحث عن الإثارة وعن مبيعات أعلى للصحف، أما المحترم في وسطنا الصحفي وهم الغالبية، فقد كان يستخدم هذه القاعدة بطريقة ذكية، أي يراعي دقة المعلومة، وصحة الخبر، ولكنه يضع "البهارات اللازمة للتشويق والتسويق".

ولكن ما يحدث اليوم في عالم السوشيال ميديا، جعلنا نبلغ حد "الغثيان" دون مبالغة، فالخبر هو أن رجل قتل رجلاً ومثل بجثته تمثيلاً، والخبر هو أن امرأة تزوجت من امرأة، ورجلاً تزوج من رجل، وسفاح التجمع يقتلهن ويعاشرهن جنسياً جثثاً هامدة؛ هذا هو الخبر في زمن السوشيال الصادم، وبالطبع، حينما تكون الأخبار صحيحة فلا ذنب للسوشيال، ولكن هناك جزء يتعلق بمسؤولية مجتمعية، إذ يجب عدم نشر مثل هذه الأخبار التي تترك في نفوسنا خدوشاً لا تنتهي.

ما سبق قد يتقبله البعض تحت عنوان أنه "خبر حقيقي"، ولكن ما لا يمكن قبوله هو اختلاق أخبار تثير الذعر وتجعلك تفقد الثقة في المجتمع الذي تعيش فيه، وكل ذلك هدفه توجه سياسي معين، ورغبة فصيل معارض في إهانة الصورة الذهنية للدولة، والبعض الآخر قد يكون هدفه الترند والتفاعل في زمن "الغثيان السوشيلاوي"، فكل شخص حر يكتب ما يشاء، ويتسابق مشاهير السوشيال في تأليف واختلاق الأخبار، وبث الفتن، والتكتل في اتجاهات معينة تدمر المجتمعات.

هل أقول لكم ما هو أكثر كارثية من كل ما سبق؟ السوشيال ميديا أصبحت أداة الفاشلين والحاقدين والمرضى لقتل المبدعين، هؤلاء في أياديهم سلاح  يشهرونه في وجه كل ناجح، بل في وجه كل مبدع وعبقري.

لماذا تهاجمون مبابي وميسي ورونالدو وصلاح؟
لماذا يهاجمون موهبة مثل كيليان مبابي ويشككون في قدراته ويبصمون بثقة "الجهلاء" على أنه لن ينجح مع ريال مدريد، لمجرد أنه تعثر في 90 دقيقة، بل وفي بداية مسيرته، وما أدراكم ما هي حمى البداية في كيان بحجم الريال، فماذا سيفعلون الآن بعد أن صعقهم وسجل ثنائية بالأمس؟ وماذا سيفعلون حينما يصبح في نهاية مسيرته اللاعب الأفضل في تاريخ الريال؟ وأنا على ثقة في أنه سيكون.

لماذا يهاجمون رونالدو ويؤكدون منذ 10 سنوات أنه "منتهي" والمفارقة أنه سجل غالبية أهدافه منذ أن نعتوه بالمنتهي! قل لي لماذا يحاولون طوال الوقت التقليل من شأن ميسي الذي لا يوجد في تاريخ كرة القدم من هو أفضل منه سوى مارادونا؟ لماذا يطلقون عليه لقب "المتخاذل" لمجرد أن فريقه أو منتخب بلاده يتلقى هزيمة هنا أو هناك.

قل لي لماذا يتسابق بعض  العرب، من المصابين بعقدة احتقار الذات، إلى التقليل من مكانة وشأن محمد صلاح، وهو لاعب كرة القدم الأفضل دون منازع في تاريخ العرب؟ لماذا يصر البعض أن صلاح مجرد لاعب محظوظ، وهو الذي فعل ويفعل كل ما يفعل، ويضرب الأرقام القياسية التهديفية في الدوري الأقوى في العالم.

عصر السوشيال المستفز وسلاح "حرية الرأي والتعبير"
يمكننا أن نستمر إلى ما لا نهاية في طرح الأمثلة لنجوم بل مبدعين وعباقرة في عالم كرة القدم يتم التقليل من شأنهم بصورة سطحية تعبر عن تعصب وجهل صاحبها، وبالطبع مثل هذه الآراء والأجواء موجودة في عالم كرة القدم منذ الأزل، ولكنها أصبحت أكثر حدة و استفزازاً في عصر السوشيال ميديا.

فملايين البشر في أياديهم سلاح فتاك إسمه منصات السوشيال، وسلاح أشد فتكاً يدعى "حرية الرأي والتعبير" ولا  أعلم أين هو الرأي أو المنطق في وصف لاعب مثل ميسي أو رونالدو بأنه متخاذل أو منتهي.

من المؤكد أنهم يتطرفون ويتعمدون التطرف في طرح هذه الآراء المستفزة لجلب المزيد من المتابعين "ممن يمكن وصفهم بالقطيع"، ويتطرفون تسولاً لمزيد من التفاعل والإثارة، ويتطرفون لإرضاء ملايين البشر ممن يشعرون بالراحة في التقليل من شأن المبدعين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف