لا تلوح في الأفق أيّ مؤشرات تدعو للتفاؤل بشأن مسار المفاوضات الجارية حاليًا في العاصمة المصرية القاهرة. فقد استطاع بنيامين نتنياهو، قائد منظومة اليمين المتطرف الإسرائيلي، تقزيم المسار التفاوضي كنهج وهدف لهذه المنظومة التي تسعى لتفريغ الحرب من محتواها السياسي، وذلك من خلال التجاوب بشكل سطحي مع ضغوط إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، خاصة فيما يتعلق بمحور فيلادلفيا؛ من المطالبة بالانسحاب الكامل من المحور إلى انسحاب جزئي من بعض المواقع فيه.
إسرائيل، بمنظومتها اليمينية المتطرفة، تسعى لتكريس المماطلة بالحرب من خلال جولات تفاوض تتسم بالعبثية السياسية، مع تمديدها لشهور عديدة للوصول إلى الفائز بالانتخابات الرئاسية الأميركية. لقد جعلت الحسابات المتشابكة تعنت اليمين الإسرائيلي في أوجه، وجعلت في المقابل الطرف الآخر في المفاوضات يفتقر إلى أوراق ضغط حقيقية تفرض الجدية اللازمة لوقف الحرب، خاصة بعد فشل ما سُمي بوحدة الجبهات لمحور إيران في المنطقة، وانهيار حسابات حماس التي كانت قائمة على رحيل حكومة نتنياهو.
إقرأ أيضاً: السعودية لا تهزها رياح الحملات المشبوهة
اليوم، تجد حماس المهزومة صعوبة في إعادة ترتيب بيتها الداخلي الممزق نتيجة الاغتيالات التي ضربت عصب الحركة النشط، مما يجعل سلوكها التفاوضي يميل إلى قبول المماطلة الإسرائيلية خوفًا من استحقاقات المرحلة القادمة التي أصبحت أكثر إلحاحًا. هذه الاستحقاقات تركز على الوضع الإنساني في القطاع، وتحديدًا ملف إعادة الإعمار، وهو ما سيستهلك من رصيد حماس داخل القطاع، حيث لن تستطيع ترويض هذا الغضب أو السيطرة عليه أو التعامل مع موجاته. لذلك، تذهب الحركة إلى عدم قبول الصيغ المطروحة بين إدارة الرئيس بايدن وحكومة نتنياهو والوسطاء، بحثًا عن إنجاز ما تسوّقه أمام الشعب الفلسطيني في القطاع، خاصة أنَّ موقف الحركة مرتبط بالفلك الإيراني الذي لا يزال يطرح مقاربات بعيدة عن الواقعية التي ستنهي الحرب أو حالة التصعيد المستمرة. فمنسوب التهديد والوعيد من قبل مسؤولي طهران ما زال مرتفعًا دون تأثير حقيقي على مسارات الحرب والتفاوض التي يتحكم بها نتنياهو وسياسات منظومته اليمينية، الباقية على سدة الحكم في تل أبيب.
إقرأ أيضاً: بين احتلال إسرائيلي واحتلال إيراني
الشرق الأوسط أمام معضلة حقيقية، وهي الجمود السياسي إلى حين انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة، وهو جمود قائم على عوامل عديدة؛ تعنت نتنياهو، وقلق حماس من استحقاقات المرحلة المقبلة، وعدم وضوح الموقف الإيراني الذي يركز على الحفاظ على مصالحه فقط مهما سالت الدماء. هذا الجمود يُبقي المنطقة تراوح مكانها على حافة دائرة الحرب الإقليمية. واقع المنطقة لا يتطلب التعويل على خيار الرد الإيراني أو حتى انتظاره، بل يتطلب الذهاب إلى خيار سياسي ودبلوماسي متوازن قائم على مقاربات جديدة تجبر إسرائيل على وقف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.