تظل معاناة المواطن السوري مع مشكلة الحصول على جواز السفر أسوة بغيره قائمة، تحولت ـ وللأسف ـ إلى معاناة حقيقية، لم يعد بالإمكان السكوت عنها، أو تركها مركونة على الرف بدون الوقوف عندها ومعاقبة المعنيين بها، لأنها صارت حاجة وضرورة في الوقت نفسه، ومن غير الطبيعي تركها دون معالجة فورية وحاسمة، في الوقت الذي نجد فيه أنَّ الجهات المسؤولة تقف متفرجة حيال ما يجري، وتتعامل مع المواطن بـ"إذن من طين وأخرى من عجين"، خصوصاً أنه صار يدفع لقاء الحصول على جواز السفر مبالغ كبيرة للهروب من بلده، ويبيع ما تحت يديه، ويقترض من هذا وذاك، ومنهم من يضطر إلى بيع لحافه ووسادته واللجوء إلى بيع حذائه، ليتمكن من تأمين جزء يسير من المبلغ الكبير الذي تجاوز في إحدى السنوات إلى دفع أكثر من 1400 دولار أميركي للحصول عليه، ولمدة عامين فقط! وهذا ما يحدث اليوم سواء في الداخل السوري، أو في الخارج، يزيد من معاناة المواطن الذي يعيش في واقع مزرٍ، وبالرغم من ذلك فإن الحصول عليه بعد معاناة شديد وانتظار ممل ومقرف!
وبحسب تعليمات وزارة الخارجية والمغتربين، فإنه "يحدد الرسم القنصلي عند منح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر للمواطنين السوريين ومن في حكمهم المتواجدين خارج الجمهورية العربية السورية بشكل فوري ومستعجل بملغ /800/ دولار أمريكي. كما يحدد الرسم القنصلي عند منح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر للمواطنين السوريين ومن في حكمهم المتواجدين خارج الجمهورية العربية السورية ضمن نظام الدور بمبلغ /300/ دولار أمريكي. فضلاً عن أنه يستوفى مبلغاً قدره 50 دولاراً أمريكياً أو ما يعادله باليورو كغرامة فقدان أو تلف جواز سفر، بالإضافة إلى استيفاء مبلغاً وقدره 25 دولاراً أمريكياً أو ما يعادله باليورو كرسم منح تذكرة مرور". بالتأكيد ناهيك بالمبالغ التي تدفع من تحت الطاولة لجهة الحصول عليه، وقد تتجاوز نصف المبلغ الرسمي المقرر، وهناك المشكلة!
إقرأ أيضاً: عن الاستثمار في سوريا
في حين أنَّ جواز السفر في دول الاتحاد الأوربي الذي يمنح للاجئين لا يُكلف استخراجه أكثر من 85 دولاراً أميركياً، وهذه الجواز يُمكّنك من السفر إلى جميع دول الاتحاد الأوروبي وعددها 27 دولة، وبدون فيزا، ناهيك بالدول الأخرى التي تتطلب الحصول على تأشيرة مسبقة، حتى تتمكن من السفر إليها، في حين أنَّ جواز السفر السوري ـ غالي الثمن ـ وبالرغم من الدفع غير المبرر للحصول عليه، لا يُمكّن حامله من دخول "الحمّام"، أو حتى سوق الهال في دمشق الذي يقع بين سوق ساروجا وشارع الملك فيصل، أو إلى أي دولة فقيرة في الوقت الحالي، مثال السودان واليمن، والسبب هو الوضع الحالي في سوريا نتيجة الحرب والدمار الذي حل بالبلد، وسياسة الحكومة البغيضة مع المواطن المسحوق أصلاً، ومع الدول المجاورة، ورفض المواطن السوري، غير المرغوب فيه، من قبل السفارات التي يرغب في الوقوف أمام أبوابها لغرض الحصول على تأشيرة سفرها!
إقرأ أيضاً: عن المال.. الزوج وصور أخرى
طبيعي جداً أنّ مشكلة ابتزاز المواطنين للحصول على جواز السفر أسلوب قديم ـ جديد، ولا يمكن له أن يتغير البتة. وما زاد الطين بلّة هو زيادة تسعيرة دفع الرشوة للعاملين في إدارة الهجرة والجوازات في مراكز المحافظات، على وجه التحقيق في العاصمة دمشق، وهذا الصبغة الرئيسة في الحصول على رزقهم والتقاطه من خلال التحايل على المواطن، وقد تصل قيمة الرشاوى للحصول على جواز السفر إلى ملايين من الليرات السورية!
إقرأ أيضاً: الجمهور العراقي والطائفية البغيضة
وكي لا نذهب بعيداً، فإنَّ عملية الابتزاز بحق المواطن تبدأ من شعبة التجنيد العسكرية، نتيجة الخلل التي يتخذها القائمون عليها بإلزام المواطن على دفع الرشوة نتيجة تلاعب العاملين فيها في الأوراق المقدمة من قبل المواطن نفسه، بقيام ذلك العامل بتغيير بعض الحروف من اسمه أو كنيته، ومن أجل استكمال بياناته ما يضطره إلى دفع الرشوة لجهة تصحيح الخطأ المفتعل!
والسؤال، أين الجهة المعنية المسؤولة التي من المفترض أن تعاقب هؤلاء العاملين سواء في إدارة الهجرة والجوازات، وفروعها المنتشرة في المحافظات، أو في شعب التجنيد العسكرية التي تقوم بتسيير المطلوبين إلى الخدمة الإلزامية غير المرغوب فيها، التي تلعب في أوراق المواطنين التي يتقدمون بها، كل ذلك لجهة رفع مطالبها، وتزيد من حجم لقمتها، وتفوّت على المواطن تحصيله على أبسط حق من حقوقه المشروعة، وهو حصوله على جواز السفر؟!