صدر اليوم كتاب "إيلون ماسك بقلم والتر آيزاكسن"، وهو سيرة ذاتية لأغنى رجل في العالم، كتبها الصحافي الأمريكي الذي نشر سير ذاتية عن ستيف جوبز، وألبرت أينشتاين، وغيرهم.
وحظي الكتاب الصادر عن دار "سايمون أند شوستر للنشر"، باهتمام بالغ ودعاية واسعة قبل صدوره، كونه يسرد تفاصيل جديدة من حياة أحد المتحكمين بمفاصل حاضر البشرية ومستقبلها.
وبرغم صدور سير ذاتية عدة لماسك في السابق، تأتي أهمية الكتاب من المكانة التي احتلها رجل الأعمال في السنوات القليلة الماضية وإثارته للجدل في محطات عدة، لا سيما بعد شرائه شركة تويتر عام 2022.
وتقدّر قيمة شركات ماسك حالياً بأكثر من تريليون دولار، ويبني المهندسون العاملون فيها، من بين أمور أخرى، سفن فضاء قابلة لإعادة الاستخدام، وروبوتاً بشرياً، وهايبرلوب للنقل السريع، وشرائح إلكترونية تُزرع في أدمغة البشر.
كما تعمل إحدى شركاته، نيورالينك، في صناعة ناشئة تُعرف بـ"الواجهة الحاسوبية للدماغ"، وهي عبارة عن نظام يفك شفرة إشارات الدماغ ويترجمها إلى أوامر للأجهزة الخارجية، فيما تسعى شركته الأخرى، سبيس إكس، إلى جعل المجتمع البشري "متعدد الكواكب".
من هو والتر آيزاكسون؟
شغل والتر آيزاكسون البالغ من العمر 71 عاماً في السابق منصب الرئيس التنفيذي لشبكة سي إن إن، وعمل أيضاً لفترة محرراً لمجلة تايم الأمريكية.
وعن كتابته السيرة الذاتية لإيلون ماسك، يقول آيزاكسون إن هذا العمل "لا يشبه أي شيء قمت به من قبل".
ويسرد في مقابلةٍ مع صحيفة الفايننشال تايمز حول الكتاب، أنه طلب من ماسك أن يظل بجانبه لمدة عامين والتحدث إليه كل يوم تقريباً، الأمر الذي وافق عليه ماسك سامحاً له حضور إجتماعات العمل، غير آبه بسرّية تلك اللقاءات، كما يؤكد الصحافي الأمريكي الذي ذكر أيضاً أنه حضر المناسبات العائلية، مثل عشاء ماسك مع أطفاله.
وكان الأمر الأكثر إثارة للجدل خلال الإعداد للكتاب، هو حضور آيزاكسون مفاوضات ماسك مع الحكومة الأوكرانية في أواخر عام 2022، عندما كان جيشها يستخدم نظام اتصالات ستارلينك الخاص بشركة سبيس إكس.
ويقول إن مشروع كتابة سيرة ماسك الذاتية أثار لديه أسئلة كبيرة مثل: هل يجب أن تكون "نصف مجنون" لتكون مبتكراً أو عبقرياً؟ وكيف يمكنك منع عقل لامع من الخروج عن السيطرة؟
يخبر آيزاكسون محدثه في هذا الإطار عن شخصية ماسك وتقلباته المزاجية الحادة. يقول: "لقد قال لي إنه يعتقد أنه ثنائي القطب، لكن لم يتم تشخيصه مطلقاً".
وعن تقلبات ماسك، قال آيزاكسون إن ذلك يعود بشكل أساسي إلى "ألم طفولته إذ نشأ وسط العنف في جنوب إفريقيا، وكانت علاقته صعبة مع والده. هذه العلاقة جعلته يشعر وكأنه غريب وتطارده الحاجة إلى إثبات نفسه" بشكل دائم.
لكن الصحافي يرى أن هناك عاملاً مشتركاً بين الشخصيات التي كتب سيرها الذاتية، وهو أن جميع هؤلاء كان يطاردهم الشعور بالتهميش، مثل آينشتاين اليهودي في ألمانيا أوائل القرن الشعرين، والعالمة الأمريكية جنيفر دودنا، المرأة التي كانت تعمل في ميدان العلوم ذكوري.
وكان آيزاكسون قد أصدر عام 2011 كتاباً تضمن السيرة الذاتية للمؤسس المشارك لشركة آبل، ستيف جوبز. ونُشر الكتاب بعد حوالي أسبوعين فقط من وفاة جوبز.
وفيما كان جوبز على استعداد للتحدث عن حياته في حينه "لأنه كان يكافح مرض السرطان ويهتم للإرث الذي سيتركه"، تساءل مقال الفايننشال تايمز عن السبب الذي يدفع ماسك في المقابل إلى التحدث عن حياته الآن وهو لا يزال في خمسينياته وبصحة جيدة.
يجيب آيزاكسون بالقول إن ماسك "يحب التاريخ ولديه غرور كبير بما يكفي لدرجة أنه يفكر في نفسه كشخصية تاريخية".
ما تأثير طفولة ماسك الصعبة؟
يصوّر والتر آيزاكسن إيلون ماسك على أنه شخصية معقّدة ومعذبة، تفتقد للقدرة على التواصل على المستوى الإنساني مع الأشخاص من حوله، لا سيما زوجاته وأطفاله، ومن يعملون في شركاته.
ويقول إن ماسك "لم يكن لديه المستقبِلات العاطفية التي تنتج اللطف والدفء اليومي والرغبة في أن تكون محبوباً".
ويبيّن كيف أن علاقته بوالده، إيرول، مثّلت مصدر صدمة لا تزال ترافقه، إذ يصف الأب بأنه شخص استغلالي، عاطفياً وجسدياً.
أمضى ماسك سنوات من دون اللقاء بوالده، ثم وافق على رؤيته عام 2016. وعن ذلك اللقاء، ينقل عن أحد أصدقاء ماسك في الكتاب: "كانت تلك المرة الوحيدة التي رأيت فيها يدَيّ إيلون ترتجفان". وكتب آيزاكسن أن "ثمة أشخاصاً بعينهم، يحتلون زاوية شيطانية في دماغ ماسك، ويثيرون غضباً بارداً لديه. والده هو الأول بينهم".
وأشار إلى أن ماسك تعرض للضرب في كثير من الأحيان، ووبخه والده كثيراً، ولكن عندما كان في العاشرة من عمره، بعد سنوات قليلة من طلاق والديه، اختار العيش معه.
ويؤمن والد ماسك البعيد عنه في الوقت الحالي، بنظريات المؤامرة، ويصف الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ"البيدوفيلي"، وقد أعلن مرةً أن "الشيء الوحيد الذي نحن هنا من أجله هو التكاثر".
كذلك، كتب في رسالة إلكترونية أرسلها أخيراً لابنه عبارة عنصرية تجاه الأفارقة، إذ قال "مع عدم وجود البيض هنا، سيعود السود إلى الأشجار".
وكان جد إيلون ماسك من طرف والدته، ج. ن. هالدمان، مناهضاً بشدة للشيوعية، وكان زعيماً لحركة شبه فاشية، هي الحركة التكنوقراطية المناهضة للديمقراطية، في كندا، خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.
وانتقل في عام 1950 إلى جنوب إفريقيا حيث كان إعلان الفصل العنصري قد صدر قبل سنتين، وسرعان ما جنّد النظام المستوطنين البيض من أمريكا الشمالية، واعداً البعض بأنهم يستطيعون العيش مثل الأمراء، حسبما أشارت مجلة نيويوركر في ملاحظاتها على كتاب آيزاكسون.
وفي عام 1960، نشر هالدمان منشوراً بعنوان "المؤامرة الدولية لإقامة ديكتاتورية عالمية وتهديد جنوب إفريقيا" ملقياً باللوم في الحربين العالميتين على "مكائد الممولين اليهود".
أما والدة ماسك، ماي هالدمان، فقد كانت من بين المتأهلات للتصفيات النهائية في مسابقة ملكة جمال جنوب إفريقيا.
وفي عام 2019، نشرت مذكرات بعنوان "امرأة تضع خطة: نصيحة لحياة من المغامرة والجمال والنجاح". وأشارت نيويوركر إلى أنه على الرغم من كتابتها عن نشأتها في جنوب إفريقيا في الخمسينيات والستينيات، فهي لم تذكر الفصل العنصري مرة واحدة في الكتاب.
كذلك، فإن آيزاكسون بالكاد يذكر الفصل العنصري في كتابه، فيما تحدث عن الإهانات التي كان ينهال بها زملاء المدرسة على إيلون.
هل اشترى تويتر انتقاماً من ابنته؟
اشترى ماسك تويتر في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 مقابل 44 مليار دولار، بعد عرض مفاجئ للشركة، ثم تردد واضح في متابعة الصفقة.
وبعد الاستحواذ على الشركة، مشّط ماسك ومساعدوه الاتصالات الداخلية لموظفيها ومنشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بحثاً عن علامات عدم الولاء، كما كتب آيزاكسون.
وبحث الموالون لماسك داخل تويتر، في أرشيف تطبيق سلاك المخصص للتواصل بين الموظفين، عن كلمات رئيسية بما في ذلك "إيلون"، وطردوا العشرات ممن أدلوا بتعليقات ساخرة حول المالك الجديد.
ويوضح كتاب آيزاكسون خلفيةً جديدة لهذه الصفقة الشهيرة.
ففي العام 2022، بلغت إحدى بنات ماسك التوأم من زوجته جوستين ويلسون، 18 عاماً.
وبحسب الكتاب، قالت الفتاة المولودة كذكر اسمه كزافييه والتي أصبحت ماركسية على ما يبدو: "أنا أكرهك وأكره كل ما تمثله".
وفي العام نفسه، قدمت ابنته التماساً إلى محكمة كاليفورنيا لتغيير اسمها، إلى فيفيان جينا ويلسون، مستشهدة، كسبب للالتماس، بتغيير "الهوية الجنسية وحقيقة أنني لم أعد أعيش مع والدي البيولوجي أو أرغب في أن أكون مرتبطة به بأي طريقة أو شكل". وهي ترفض حالياً رؤيته.
في هذا السياق، أخبر ماسك آيزاكسون أنه يضع بعض اللوم في ذلك على مدرستها الثانوية التقدمية في لوس أنجلوس. وفيما عبّر ماسك عن أسفه بشأن "فيروس العقل اليقظ" (Woke mind virus) في إشارةٍ إلى الأشخاص الصارمين في دفاعهم عن العدالة الاجتماعية، قرر شراء تويتر، قائلاً "كل ما في الأمر أنني لا أستطيع الجلوس من دون فعل شيء”>
وأعطى ماسك آيزاكسون تفسيراً مختلفاً لشراء الشركة: "ما لم يوضع حدّ لفيروس العقل اليقظ الذي هو في الأساس مناهض للعلم، ومضاد للجدارة، ومعادٍ للإنسان بشكل عام، فلن تصبح الحضارة أبداً متعددة الكواكب".
وعن تويتر أضاف ماسك: "في البداية، اعتقدت أنه لا يتناسب مع مهامي الكبيرة الأساسية، لكنني توصلت إلى الاعتقاد بأنه يمكن أن يكون جزءاً من مهمة الحفاظ على الحضارة، وشراء المزيد من الوقت حتى يصبح مجتمعنا متعدد الكواكب".
ما رأيه بدونالد ترامب؟
يظهر الكتاب أنه من الصعب تصنيف توجهات إيلون ماسك السياسية بوضوح.
فعلى الرغم من هجماته على النقاد الليبراليين وانتقاده الحاد للديمقراطيين "اليقظين" وترويجه أحياناً لنظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة، يوضح الكتاب أنه يشعر بخيبة أمل من "الانجراف اليساري للحزب الديمقراطي"، أكثر من كونه معجباً بالجمهوريين.
ويعترف ماسك مراراً وتكراراً بأنه ليس من المعجبين بالرئيس السابق دونالد ترامب، وقال لكاتب سيرته الذاتية: "أنا لست من محبي ترامب. إنه مدمّر".
وكتب آيزاكسون أن ماسك يضمر "ازدراءً عميقاً" للرئيس السابق "الذي اعتبره رجلاً محتالاً" وبدا، كما يقول ماسك، "مجنوناً نوعاً ما".
لكنه في الوقت نفسه ليس من مؤيدي بايدن، على الرغم من أنه أخبر الكاتب أنه كان سيصوت لبايدن في عام 2020 لو أدلى بصوته. لكنه قرر في حينه عدم التصويت لأنه مسجل في كاليفورنيا واعتبرها مضيعة للوقت، لأن الولاية لم تكن قادرة على المنافسة في الانتخابات الرئاسية.
ويصف ماسك لقاءً مع بايدن قبل سنوات خرج فيه "غير متأثر"، إذ "كان مملاً جداً، مثل واحدة من تلك الدمى التي تسحب منها الخيط فتقول العبارات الغبية نفسها مراراً وتكراراً".
في سياق متصل، يشير الكتاب إلى مواجهة بين ماسك ولاري ديفيد، الكاتب والممثل الأمريكي، في حفل زفاف آري إيمانويل، الرئيس التنفيذي لمجموعة وسائل الإعلام إنديفور، في عام 2022، حين سأل ديفيد ماسك: "هل تريد قتل الأطفال في المدارس؟"، قاصداً بذلك دعم ماسك للمرشحين الجمهوريين في أعقاب إطلاق النار على مدرسة في أوفالدي في تكساس أسفر عن مقتل 19 طالباً. فأجاب ماسك "لا، لا. أنا ضد قتل الأطفال".
التكاثر لمواجهة الذكاء الاصطناعي
أعلن ماسك أخيراً أنه ينشئ شركة للذكاء الاصطناعي باسم إكس. إيه آي لتنافس شركة أوبن إيه آي التي كان مشاركاً فيها قبل قطع العلاقات معها في عام 2018.
وقد أبدى ماسك مرات عدة قلقه بشأن الذكاء الاصطناعي الذي يعتبره "تهديداً وجودياً محتملاً".
واستدعى ماسك سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي، إلى اجتماع في مقر تويتر في فبراير/ شباط 2023، بعد وقت قصير من إصدار تشات جي بي تي. طلب ماسك بغضب من ألتمان "تبرير كيف يمكنه تحويل منظمة غير ربحية ممولة من التبرعات بشكل قانوني إلى منظمة ربحية يمكن أن تجني الملايين". وكتب آيزاكسون أن اللقاء ترك ألتمان "متألماً".
ويشير الكتاب إلى أن قرار ماسك إنشاء شركة للذكاء الاصطناعي "يعود جزئياً إلى المخاوف بشأن نقص السكان".
ويرى ماسك وهو أب لعشرة أطفال إن "كمية الذكاء البشري كانت تتراجع لأن الناس لم يكن لديهم ما يكفي من الأطفال. وفي الوقت نفسه، كان مقدار ذكاء الكمبيوتر يرتفع بشكل كبير".
يعتقد ماسك، بحسب الكتاب، أنه "في مرحلة ما، ستتضاءل القوة العقلية البيولوجية أمام القوة العقلية الرقمية".
ولذلك، هو يرى أن الحلّ الوحيد للوقوف في وجه القوة الرقمية التي يمثلها الذكاء الاصطناعي تكمن في إنجاب المزيد من الأطفال ومحاربة مسألة تناقص عدد السكّان.