: آخر تحديث

العالم العربي يواجه أزمة خصوبة صامتة.. لا أطفال رغم الرغبة

3
3
3

يواجه العالم العربي أزمة خصوبة عميقة، وإن كانت هادئة، ليس بسبب كثرة إنجاب الناس للأطفال، بل بسبب قلة عددهم، وفي كثير من الأحيان انعدام الخيارات الحقيقية.

يكشف أحدث تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان حول حالة سكان العالم 2025، بعنوان "التحديات الحقيقية في مجال الخصوبة: السعي نحو تحقيق الصحة الجنسية والإنجابية في عالم متغير"، حقيقةً جلية: ملايين الناس يرغبون في إنجاب أطفال، لكنهم لا يستطيعون ذلك بسبب الضغوط الاقتصادية، وعدم المساواة بين الجنسين، والعوائق الهيكلية. لا يتعلق الأمر برفض الأبوة والأمومة، بل بحرمانهم من الخيارات.

في جميع أنحاء المنطقة العربية، غالبًا ما يُنظر إلى انخفاض معدلات المواليد على أنه تهديد ديموغرافي. وتشعر الحكومات بالقلق إزاء شيخوخة السكان، وتقلص القوى العاملة، والركود الاقتصادي. لكن تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان يكشف عن حقيقة أعمق: الأزمة تتعلق بالقدرة الفردية على اتخاذ القرارات، لا بالأرقام. ينجب الناس عددًا أقل من الأطفال - أو لا ينجبون أي أطفال على الإطلاق - ليس بسبب التفضيل، بل بسبب:

- ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل كبير، مما يجعل السكن والرعاية الصحية والتعليم في متناول الجميع.

- انعدام الأمن الوظيفي، وخاصةً للشباب الذين يواجهون البطالة أو العمل غير المستقر.

- عدم المساواة بين الجنسين، حيث تتحمل النساء أعمال رعاية غير مدفوعة الأجر، ويفتقرن إلى دعم رعاية الأطفال، ويواجهن التمييز في مكان العمل إذا أصبحن أمهات.

- الخوف من المستقبل، من القلق بشأن تغير المناخ إلى عدم الاستقرار السياسي، ما يجعل الأزواج الشباب يترددون في إنجاب الأطفال في عالم غير مستقر.

 

في بعض المجتمعات، تصطدم هذه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية بالتوقعات التقليدية. تواجه النساء إكراهًا اجتماعيًا على الزواج وإنجاب الأطفال في سن مبكرة، ولكن بمجرد أن يفعلن ذلك، يعانين من أعباء رعاية غير متساوية وفرص وظيفية محدودة. في الوقت نفسه، يُتوقع من الرجال أن يكونوا المعيلين الوحيدين للأسرة، لكنهم يجدون صعوبة متزايدة في تأمين دخل ثابت لإعالة أسرهم. والنتيجة هي جيل عالق بين التوقعات المجتمعية والاستحالة الاقتصادية.

هذا الضغط كبير. في المغرب، على سبيل المثال، أشار 20% من المشاركين في استطلاع رأي إلى الضغوط الاجتماعية - من التقاليد أو المجتمع أو حتى العاملين في مجال الصحة - كأسباب لإنجاب عدد أكبر من الأطفال عما يرغبون فيه.

في جميع أنحاء العالم العربي، حيث غالبًا ما ترتبط الخصوبة بالهوية الوطنية، يجب أن يتحول النقاش من الأهداف السكانية إلى الحقوق الإنجابية والخيارات الحقيقية. ماذا لو كان بإمكان كل فرد أن يقرر بحرية متى وكيف ينشئ أسرته، مدركًا أن حياته المهنية ستزدهر مع خياراته؟ ماذا لو أصبح أخذ إجازة الوالدين دليلًا على القوة والرعاية، وليس الوصمة؟

يكشف التقرير أن 18% من النساء في المغرب يواجهن قيودًا في استخدام وسيلة تنظيم الأسرة التي يخترنها، وأن 20% منهن واجهن قيودًا في ممارسة خياراتهن المتعلقة بالعلاقات الحميمية. وبالمثل، أفاد 17% من الرجال بمواجهتهم قيودًا في استخدام وسيلة تنظيم الأسرة التي يختارونها. وفي جميع أنحاء المنطقة العربية، واحدة من كل عشر نساء يرغبن في تأخير الحمل أو تجنبه لا يستخدمن أي وسيلة لتنظيم الأسرة، وتصل هذه النسبة إلى 20-27% بين النساء المتزوجات في بعض البلدان.

يكمن الحل في سياسات تُعزز الاختيار لا الصدفة:
- رعاية أطفال ميسورة التكلفة وإجازة أبوية لتخفيف العبء عن الأسر وتشجيع التشارك في رعاية الأطفال.

- السكن والأمن الوظيفي ليتمكن الأزواج الشباب من التخطيط لأسرهم دون أعباء.

- رعاية صحية إنجابية شاملة، تشمل علاجات الخصوبة، وتنظيم الأسرة.

- تفكيك الأعراف القائمة على النوع الاجتماعي التي تُقيد الرجال والنساء في أدوار جامدة، تاركةً كليهما دون تحقيق.

 

يُذكرنا تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن الخصوبة ليست قدرًا. ينبغي على الناس أن يُشكلوا مستقبلهم باختيارهم، لا بالصدفة أو الإكراه. يجب على الدول العربية أن تُدرك أن الأزمة الحقيقية ليست في انخفاض أو ارتفاع معدلات المواليد، بل في انعدام حرية الاختيار. عندها فقط يُمكن للمجتمعات أن تزدهر حقًا.

تقرير حالة سكان العالم 2025 هو دعوة للعمل: المستقبل ملكٌ لمن تُتاح لهم الفرصة لتشكيله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.