: آخر تحديث

هل تُصبح السعودية مرجعية تنموية بديلة للعالم النامي؟

2
2
2

تبرز أهمية الدبلوماسية والتحليل الاستراتيجي كأدوات أساسية لفهم التحديات العالمية وصياغة رؤى تنموية مستدامة. وفي هذا السياق، لم تعد الأمم المتحدة تُعرف فقط بوصفها منظمة لحفظ السلام، بل باتت تتحرك كجهاز إنمائي عالمي عبر أجندة طموحة عُرفت بـ"أهداف التنمية المستدامة" (SDGs) التي اعتمدتها عام 2015، وتستهدف تحقيق 17 هدفًا بحلول عام 2030.

لكن بعد مرور عشر سنوات على إطلاقها، تظهر الحاجة إلى مراجعة نقدية لهذه الأجندة الدولية:

  • هل يمكن فعلاً تنزيل نموذج عالمي موحّد على واقع دولي متنوع في السياقات والموارد؟

  • وهل تستطيع الدول النامية، التي تعاني فجوات تنموية حادة، أن تلتزم بمؤشرات أداء لا تراعي خصوصياتها؟

  • ثم، إلى أي مدى تُسهم هذه الأهداف في تقليص الفجوة التنموية، بدل أن تُعيد إنتاجها بشكل ناعم وبغطاء دولي؟

من خلال التحليل المتوازن، يتبين أن كثيرًا من أهداف التنمية المستدامة، رغم نبلها الأخلاقي، تعكس مقاربة غربية في تصوّر "التقدم"، وتعتمد على مؤشرات كمية جامدة لا تراعي الفروقات الثقافية، ولا تستوعب التحديات السيادية التي تواجهها كثير من الدول. كما أن جزءًا كبيرًا من تقارير الأداء الأممية يبدو أقرب إلى الطابع السياسي منه إلى التقييم التنموي المحايد.

المملكة كمرجعية تنموية بديلة

على النقيض من هذا الطرح، تبرز المملكة العربية السعودية كنموذج مختلف في مواءمة التنمية المستدامة مع القيم الوطنية والسيادة الاقتصادية، من خلال رؤية 2030 التي لم تأت استجابة لضغط دولي، بل كخيار سيادي شامل يستبطن فلسفة تنموية متجذرة في الواقع السعودي.

المملكة لا تكتفي بتبني أهداف التنمية، بل تعيد تشكيلها بما يخدم الإنسان السعودي ويعزز العمق العربي والإسلامي. فهي ترى أن التنمية الحقيقية لا تبدأ من المؤشرات، بل من الإنسان، الهوية، والقيم.

وفي هذا الإطار، برزت مبادرات رائدة مثل:

  • السعودية الخضراء

  • الشرق الأوسط الأخضر

  • نيوم كمدينة ذكية مستدامة

  • تمكين المرأة والشباب على أسس مهنية وثقافية متوازنة

كما أصبحت المملكة تقدم نفسها كمختبر حي لنموذج تنموي شامل يجمع بين البيئة، والاقتصاد، والثقافة، والتعليم، والتقنية، ما يؤهلها لتكون مرجعية ملهمة للعالم النامي، خاصة أنها لا تصدّر نموذجًا متعاليًا، بل تقدم تجربة واقعية مرنة قابلة للتكيّف والتوطين.

نحو دبلوماسية تنموية سعودية

إذا كانت الأمم المتحدة تقود أهداف التنمية من أعلى، فإن ما تحتاجه الدول النامية اليوم هو نموذج تنموي ينبع من جنوب العالم، يعكس أولوياته وقيمه، ويحقق عدالة تنموية فعلية لا شكلية.

وهنا يأتي دور الدبلوماسية السعودية الحديثة في نقل التجربة، وبناء شراكات تنموية متكافئة، والمساهمة في إعادة تعريف مفهوم "التنمية" نفسه. فالمملكة، بثقلها السياسي، وواقعها الاقتصادي، وتجربتها الإصلاحية، قادرة على أن تكون صوتًا موازنًا ومؤثرًا في صياغة سياسات التنمية الدولية خلال العقد القادم.

ختاماً، إن أهداف التنمية المستدامة تحتاج إلى نماذج حقيقية تتجسد على الأرض، لا إلى شعارات تطمينية في الوثائق الدولية. والمملكة، في ظل رؤية 2030، تثبت أن التنمية لا تُفرض من الخارج، بل تُبنى من الداخل، وتُقاس بكرامة الإنسان، لا بعدد المؤشرات.

فهل تصبح السعودية مرجعية تنموية جديدة؟
الجواب: ليست فقط مرجعية… بل شريكًا في إعادة صياغة مفهوم التنمية العالمي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.