لم تكن الكلمة التي ألقاها الولي الفقيه علي خامنئي في هيئة الحج يوم الأحد 4 أيار (مايو) 2025، مثل الكلمات السابقة التي ألقاها هو أو سلفه خميني بهذا الصدد، إذ إن النظام كان يصر وبصورة غير طبيعية على التوظيف السياسي لشعيرة الحج من أجل استخدامه لتحقيق أهداف ومرامٍ خاصة بالنظام لا علاقة لها بالدين أو بموسم الحج إطلاقًا. فَيا ترى، هل كان سبب عدم التطرق إلى ما سميت بـ"مظاهرات البراءة" التي ما انفك النظام، بل خامنئي نفسه، يؤكد عليها بخطابات نارية! ومفردات مشددة! في أمس قريب - فيما يتعلق بموسم الحج - هو مجرد "نسيان" من طراز هفوة لسان!.... أو "تناسٍ متعمد" خلفه ألف حساب!؟
في هذه الكلمة، ظهر واضحًا حذر ملفت للنظر من جانب خامنئي من الحديث عن الأبعاد السياسية في الحج كما كان أسس خميني لذلك وجعله منهاجًا للنظام، بل إنه حرص كثيرًا على عدم التعرض لذلك والظهور بمظهر الفقيه الناصح والأمين والحريص على أداء شعيرة الحج وفق ما قد كان يقوم به آباؤنا وأجدادنا، وهذا الأمر كان في حد ذاته غير مسبوق ويعكس تراجعًا مكشوفًا في ما كان خميني قد أسس له.
هذا التراجع في استخدام العامل الديني وتوظيفه سياسيًا لخدمة النظام، ليس الأول من نوعه وطبعاً لن يكون الأخير أيضًا، لكنَّ توقيت هذا التراجع وتزامنه مع سلسلة أحداث وتطورات إقليمية ودولية وحتى على صعيد الداخل، جسد وبصورة واضحة تناغمه وتوافقه مع سلسلة هزائم وانكسارات عسكرية وسياسية للنظام، بما يدل على إنه لم يكن موقفًا تقليديًا أو تكتيكًا سياسيًا وإنما إعلان مكشوف بفشل النظام في استخدام شعيرة الحج من أجل تحقيق أهدافه وغاياته المشبوهة.
إقرأ أيضاً: بالأمس کانوا هنا واليوم قد رحلوا!
أليس من العجيب أن تتبخر كليًا تلك الشعارات الرنانة التي كان يطلقها خامنئي نفسه، حول أهمية تنظيم مظاهرة البراءة التي وصلت في شريعة الملالي بمستوى وجوب "فريضة الحج" نفسها!، حيث كانت تشغل البال للمملكة المضيفة وجميع المشرفين على حيثيات الموسم بأكمله إلى جانب المشاركين فيه... على حد سواء؟
هذا التراجع سلط الأضواء مرة أخرى على طابع الدجل والخداع في استخدام العامل الديني، وأعاد للذاكرة مرة أخرى كيف إن خميني خدع القاصرين عشية الحرب الإيرانية ـ العراقية وجعلهم يركضون على حقول الألغام، ومزاعم بشأن أن طريق القدس يمر عبر كربلاء أو غيرها من مدن أخرى في المنطقة، وكذلك اعتبار الولايات المتحدة الشيطان الأكبر ومن ثم التفاوض وحتى التعاون معه سرًا أو جهرًا، بل وحتى إن فتوى خامنئي بتحريم إنتاج السلاح النووي في وقت يقوم فيه النظام سرًا بمسابقة الزمن من أجل إنتاج هذا السلاح، كل هذا يؤكد ماهية الدجل الديني لهذا النظام ومن إنه يقوم باستخدام الدين وفق لمتطلباته ومن أجل تحقيق غاياته المشبوهة.
إقرأ أيضاً: المفاوضات النووية بين إيران وأميركا: مأزق أم انفراج؟
الكلمة التي ألقاها خامنئي في هيئة الحج وما ورد فيها من معلومات وأمور مشرئبة بالكذب والخداع، ولا سيما فيما يتعلق بالانفجار الكبير الذي وقع في ميناء رجائي في بندر عباس والذي كان تخزين النظام لمواد صاروخية تابعة لحرس النظام في مستودعات تجارية مموهة، ليست إلا محاولة فاشلة أخرى لتضليل الرأي العام، وتوجيه الأنظار بعيدًا عن المسؤول الأول عن هذه المجازر المتكررة وهو نظام ولاية الفقيه وجهازه العسكري والأمني.
وخلاصة الأمر فإن الذي يمكن استخلاصه من هذه الكلمة وما جاء فيها إنه:
ـ لم يعد أحد يصدق الدجاليات الدينية أو المسرحيات السياسية.
ـ الشعب بات يعرف جيدًا من المسؤول، ومن المجرم، ومن يجب أن يُحاسب.
ـ الدجال لم يعد يخيف، وخدعه لم تعد تنطلي على أحد.
ـ الشعب يعرف أن اليد التي ضغطت على زناد الفاجعة في بندر عباس… تنتمي إلى هذا النظام. تمامًا مثلما يعرف النظام نفسه ويوقن بأن أبناء الشعب الإيراني ووحدات الثائرين منهم، سيفتحون أبواب الجحيم عليه من داخل إيران ومن رحم الشوارع الملتهبة في مدنها كافة... وإن غدًا لناظره قريب.