قلت في المقال السابق إن عبد الله العقيل، الذي هو من «شبان الإخوان المسلمين» الذين استقبلوا مسعود الندوي عند قدومه مع مساعده محمد عاصم حداد إلى العراق، وفّر لنا تبيان تسلل الفكر المودودي إلى القاهرة. وتبيانه أبان لنا – كما رأينا في المقال السابق – أنه كان بمثابة العربة التي حملت الفكر المودودي من بيتيه في الزبير وفي البصرة إلى القاهرة.
وقبل استئناف الحديث عن المسألة المودودية في القاهرة وتأثيرها على الفكر «الإخواني» في مصر على صعد شتى، لا بد من إيضاح أكثر لصلته بالرحلة المودودية التي قام بها تابع المودودي ومترجمه الأول إلى العربية مسعود الندوي، مع تعريف موجز به.
هذا الإيضاح وفّره هو لنا أيضاً حين قدّم ترجمة لتقي الدين الهلالي في كتابه «من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة». وتقي الدين هذا شيخ مغربي، كان مسعود الندوي من بين الذين درسوا على يديه في الهند اللغة والأدب العربي. وفي أثناء زيارة مسعود الندوي إلى العراق كان الشيخ تقي الدين يدرّس في كلية عالية ببغداد.
يقول عبد الله العقيل: «وفي سنة 1949م جاءتني رسالة منه – أي تقي الدين الهلالي – من بغداد يوصيني بالشيخ مسعود عالم الندوي، ورفيقه محمد عاصم الحداد، اللذين سوف يزوران العراق بتكليف من السيد أبي الأعلى المودودي، أمير الجماعة الإسلامية بباكستان، وقد سعدنا بهما في البصرة والزبير، وقد بذلت مع إخواني، عبد الله الرابح، وعبد العزيز الربيعة، وعمر الدايل، وعبد الهادي الباحسين، وعبد الصمد الرديني، وعبد الواحد أمان، ما نستطيع من جهد لمساعدتهما في مهمتهما، ومن خلالهما اطلعنا على مؤلفات المودودي، وعرفنا الكثير عن الجماعة الإسلامية في الهند وباكستان».
عبد الله العقيل وعبد العزيز سعد الربيعة وعمر الدايل وعبد الواحد وعبد الهادي الباحسين كانوا طلبة وكانوا شباناً وكانوا من «الإخوان المسلمين» وكانوا من بلدة الزبير، وهم من أسر نجدية هاجرت إلى هذه البلدة من إقليم نجد من قرون.
عبد الواحد أمان كان طالباً وشاباً ومن «الإخوان المسلمين»، لكن لم يستبن لي هل هو من البصرة أم من الزبير. عدنان محمد سلمان الدليمي في كتابه «آخر المطاف: سيرة وذكريات» في أثناء توضيحه للطريقة التي دخلت بها دعوة «الإخوان المسلمين» المصرية إلى البصرة والزبير سنة 1941، عرّف بعبد الواحد أمان، فقال عنه: «تخرج لاحقاً في كلية التجارة في بغداد، واستعاد جنسيته الكويتية، فاستقر هو وإخوته هناك إلى أن أحيل إلى التقاعد، وقد أسهم في نشر دعوة (الإخوان) في الكويت».
أما عبد الصمد الرديني، فقد قال عن أسرته إنها من أسر البصرة المشهورة.
عبد الله الرابح – وهو من أسر الزبير – تحدث مسعود الندوي عنه في كتابه «شهور في ديار العرب» مرتين بوصفه عالماً لا بوصفه طالباً، كما الأسماء التي مرّ ذكرها آنفاً، كما أنه لم ينصّ على أنه من «الإخوان المسلمين».
عبد الله العقيل يعود فرع أسرته في الزبير إلى بلدة حَرْمَة في منطقة سدير بإقليم نجد. اعتنق دعوة «الإخوان المسلمين»، وهو طالب في المدرسة المتوسطة بالبصرة مع رفاق له بالمدرسة عن طريق أستاذهم في المدرسة، محمد عبد الحميد أحمد، أحد الرسل المصريين الذين بعثهم حسن البنا إلى العراق للتبشير بدعوته الدينية الجديدة هناك. تقلد عبد الله العقيل عدة مناصب دينية في الكويت بالمحاكم وبوزارة العدل وبوزارة الأوقاف. وكان آخر منصب ديني تقلده هو الأمين العام المساعد لشؤون المساجد برابطة العالم الإسلامي بمكة.
عبد الله اعتنق دعوة «الإخوان المسلمين» من صغره اعتناق المهيّم والمتيّم والمخلوب لبّه. ولأن اعتناقه لها جاء على هذا النحو، فإن إيمانه «الإخواني» غلبت عليه مسحة الدروشة «الإخوانية»، لا الانتهازية «الإخوانية» التي هي أمر مستلزم الأخذ به في دعوة «الإخوان المسلمين». دوره البارز في تاريخ الحركة الإسلامية دور عملي ميداني. أما كتاباته فهي لم تبرح مكانها من الوهن والضعف منذ أن بدأ الكتابة من أمد طويل. وأفضل ما كتب هو ترجماته لشخصيات إسلامية، مشهورة ومغمورة، عرفها معرفة شخصية.
كتب المودودي المترجمة إلى العربية التي حملها عبد الله العقيل معه إلى القاهرة، حملها معه بتنسيق مسبق مع مسعود الندوي قبل أن يغادر هذا الأخير الزبير في 29 أغسطس (آب) 1949 إلى الكويت التي مكث فيها 4 أيام، ثم سافر بعدها إلى الرياض، وذلك للبحث عن ناشر لها في القاهرة، ووجد ضالته في نفر من الشباب الجامعي «الإخواني»، يطلقون على أنفسهم اسم «لجنة الشباب المسلم».
كتبت هذه اللجنة في بعض منشوراتها من كتيبات، ما يلي:
«تعريف بلجنة الشباب المسلم، للتأليف والترجمة والنشر.
غرض اللجنة المشاركة في تكوين الوعي الإسلامي الرشيد عن طريق:
1- نشر الكتب الإسلامية، قديمها وحديثها.
2- ترجمة ما كتبه أهل الشرق والغرب عن الإسلام.
3- مجابهة مشاكل العصر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بأبحاث وافية وملائمة.
4- نشر تعاليم الإسلام بين الناس بإخراج طبعات شعبية رخيصة الثمن، أنيقة الطبع.
5- إنشاء الندوات الفكرية، وإخراج مجلة إسلامية.
المراسلات باسم: محمد رشاد رفيق سالم، عضو اللجنة والمسؤول عن النشر 90 شارع أبي بكر الصديق بمصر الجديدة».
مشروع اللجنة في أغراضه المعلنة – كما ترون – عالي الهمة، طويل النجاد، رفيق العماد، لكن واقعه يقول بخلاف ذلك. فأعضاء اللجنة لم ينجزوا تأليفاً ولا ترجمة، ولم ينيطوا بفريق من المترجمين المصريين المحترفين «ترجمة ما كتبه أهل الشرق والغرب عن الإسلام». إن أغلب ما نشره أصحاب هذا المشروع كتيبات للمودودي مع كتيبين دعائيين لجماعة المودودي أعدّهما مسعود الندوي؛ الأول كان بعنوان «الجماعة الإسلامية: دعوتها وأهدافها ومنهاج عملها»، والثاني كان بعنوان «الإسلام ودعوته» الذي فحواه، الإسلام كما يدعو إليه المودودي.
نعم، هذه الكتيبات مترجمة، لكن الذي ترجمها إلى العربية من الأردو هي «دار العروبة للدعوة الإسلامية» بباكستان، وقامت بعد ترجمتها بطبعها ونشرها في هذه الدار باللغة العربية. وكل ما فعلته «لجنة الشباب المسلم» وأنجزته أنها أعادت الطبع والنشر في القاهرة.
الغرض الثالث، وهو «مجابهة مشاكل العصر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بأبحاث وافية وملائمة»، مهمة القيام بها كانت متروكة لكتيبات المودودي وحدها.
أما الغرض الرابع، فيحتاج إلى تعديل كلمة فيه، ليتطابق هذا الغرض مع مقتضى حال منشورات هذه اللجنة، بحيث تكون صيغته بعد تعديلها وإضافة عبارة إليها: «نشر تعاليم المودودي بين الناس في العالم العربي، بإخراج طبعات شعبية، رخيصة الثمن، أنيقة الطبع».
وأما الغرض الأول، فليس ثمة كتب إسلامية قديمة، سوى نشر جزء يسير من كتاب «العواصم من القواصم» للقاضي أبي بكر بن العربي، حقّقه وعلّق عليه محبّ الدين الخطيب، وكتاب «رسالة الصلاة للإمام أحمد» وهو نسخة صحّحها وراجعها محمود محمد شاكر، وتلخيص لكتاب «تحفة الودود بأحكام المولود» لابن القيم نشر بعنوان محدث هو «أولادنا في آداب الإسلام».
الكتب الإسلامية الحديثة هي كتيبات المودودي، ولم تشذ اللجنة عن هذه القاعدة في النشر إلا مع كتاب علي الطنطاوي، وعنوانه «أبو بكر الصديق». فكتاب «نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان» لمسعود الندوي لا يخرج عن النطاق المودودي، ففي خواتمه دعاية ودعوة للمودودية، وهي التي اقتطف مسعود من صفحاتها كتيبه «الإسلام ودعوته». وكذلك هو حال كتيب «عن الإخوان أتحدث» لأبي الحسن الندوي، فهو لم يخرج فيه عن هذا النطاق.
ولقد حرت في البداية في تصنيف كتاب «حجة النبي (صلعم) كما رواها جابر» لناصر الألباني، هل هو كتاب إسلامي قديم أم حديث؟
اختصار عبارة «صلى الله عليه وسلم» بكلمة «صلعم» واسم مؤلفه نبّهاني إلى أنه كتاب إسلامي حديث ومعاصر. وللحديث بقية.