: آخر تحديث

الدرعية.. بعيون الأدباء والشعراء

1
1
1

ناهد الأغا

من ضفاف عهود غابرة؛ من رماد سنين خلت؛ ومن مجد حضارات كتبها من عايشها على جدران التاريخ ليشكل منها دواوين سفره الخالد؛ وحيث يخبئ أهلوها القصائد التي خلدتها في جيوب الحلم.. لتأتي فيما بعد الأجيال اللاحقة فتستعيد ملامح الحلم الذي ما أنفك أن يصبح حقيقة.. والذي بات يقرأ في عيون الحالمين مالا يتسع الزمان لقوله.. تلك الحقيقة التي قالت الكثير والكثير ما لم يقل في مراحل مضت.. أقول قولي هذا وبزهو يملؤه الفخر عندما أسرد تاريخ درة حضارات عنوانها السمو وأيقونة تراث متفرد يشيد بتفرده الخصم قبل الصديق..

إنها درعية المجد التليد؛ عاصمة الدولة السعودية الأولى.. وهنا يتوقف التاريخ هنيهات لنستذكر ماضيها وحاضرها ونقرأ بنهم ذاك الشغف الذي لمسناه في عيون أدباء وشعراء سكبوه مدادا صادقاً ليشكل قطعاً نثرية وقصائد تذوب قوافيها سحراً لتؤطر لوحة أدبية أضفت فصلاً بهياً في سجل الأدب وكانت أقل ما يقال عنها إنها مبهرة.. ولعل أول ما يتبادر إلى أذهاننا وما يجول في خواطرنا من تلك اللمحات المضيئة والذكريات العطرة ما نثره المؤرخ والأديب اللبناني «أمين الريحاني» حين دون ذكرياته بإحدى رحلاته إلى الديار العربية؛ حينها توجه للقاء الملك عبد العزيز رحمه الله وفي طريقه إلى الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى حيث قال: «أيها القارئ العزيز نحن الآن تحت سماء العارض؛ وفي ظلال بساتين الرياض التي تمتد جنوباً إلى المنفوخة بلد الاعشى أحد رجال المعلقات؛ صعدنا قليلاً في جبل طويق؛ وعاصمة نجد التي هي عند سفح الجبل وراءنا والمنفوحة تحتها؛ ثم أطللنا؛ بعد سير ثلاث ساعات شمالاً على برج مهدوم أشار إليه قائلاً: هناك نصب إبراهيم المصري مدافعه وأطلقها على الدرعية.. وبينما كان يقص علينا قصة تلك الحرب بدت بعد نصف ساعة الأطلال تحتها؛ وقبالتها شرقاً بشمال بساتين من النخيل والأثل اختبأت فيها القرية التي هي اليوم الدرعية الجديدة.. نزلنا في شعب من وادي حنيفة الذي يفضي إلى اليمامة؛ وسرنا بين الدرعتين قليلاً ثم انخنا في عقيق السيل بين ظلي الأطلال والنخيل.. لقد كانت الدرعية منذ 100 سنة أكبر مدينة في الجزيرة؛ فلا عجب إذا كانت في أيام مجدها؛ في عهد عبد العزيز الأول وسعود الأكبر؛ قطب البلاد العربية بعد الحرمين؛ يؤمها العرب من كل قطر قصي للاستنجاد بأمرائها وللاتجار.. من عمان ومسقط وحضرموت كانوا يجيئون إلى الدرعية؛ ومن العراق والكويت والبحرين؛ ومن اليمن وعسير والحجاز».. هذه المقطوعة السردية الموسومة بهلالين والتي قالها الكبير أمين الريحاني هي عين الحقيقة التي لا لبس فيها؛ فقد امتلكت الدرعية في عصر الدولة السعودية الأولى التي تأسست عام 1727 من الميزات ما جعلتها تتبوأ منزلة سامية «قطب البلاد العربية» وتبعاً لمركزها السياسي فقد باتت الدرعية «عاصمة شبه الجزيرة العربية؛ ودانت لها جميع الاصقاع».. وها هو الشاعر الفذ مشعل الحارثي ينظم دررا تساقطت كالندى المنعش على جدران القلب في مناسبة مضت ليوم التأسيس حيث يقول في مطلع قصيدته عن الدرعي:

على درعية التاريخ رفرف بالفخر يا طير

وغرد عن ثلاث قرون ماضيها وحاضرها

سعودية ومحمية لجل تاريخ يوم غير

على متن الوطن ورجوعها فلت ضفايرها

تعطر بالخزامى والفل والشيح والنوير

دواء الميثاق وسهوم المنايا في محاجرها

وفي هذا المقام.. الحديث يطول ولا يتسع الزمن لذكره بمن أشاد بالدرعية في شعره ونثره؛ لكن حري بنا أن نورد خير من يتحدث عن الدرعية؛ فهو خير من يعنى بها ألا وهو والدنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله الذي وقف ذات احتفال يصف تاريخ الدرعية وعراقة تراثها الحضاري فيقول: (ما أجمل أن يقف الإنسان مع التاريخ! بل هي مسؤولية كبرى أن يكون الإنسان بقرب التاريخ؛ في هذا البلد التاريخي.. أعني به الدرعية؛ يعود بي الزمن إلى سنة 850 هجري عندما رحل مانع المريدي من بلدته الدرعية في المنطقة الشرقية تلبية لدعوة ابن عمه ابن درع في الرياض؛ حيث أقطعه «غصيبة والمليبيد» في الدرعية؛ في هذا المكان في وادي حنيفة.. وسميت بالدرعية على مانع المريدي؛ الذي هو من الدروع؛ هنا جاء إسم الدرعية). ولعل أجمل ما نظم في جمال تراث الدرعية وحضارتها الغراء قصيدة «صناجة القصيدة» حيث يقول الشاعر في مطلع أبياتها:

هذي اليمامة من زرقائها ادكرت

أرض الحجاز حجازا فيك يرتحل

والدرع راح إلى الأحساء يسألها

أين القوافل؟! للدرعية انتقلوا؟

وكيف حنت «طويق» حين ودعها

عشاق رحلتها الباقون وارتجلوا؟

وكيف غنت ليالي نجد وحدتها؟

في الخافقين نجاوى فيك تبتهل

حين استهل طيوف البشر منتجعا

«عبد العزيز» رؤاه الفعل والأمل

ومهما يكن من أمر يبقى أجمل ما نظم بشأن الدرعية من رؤى؛ وأعذب سحراً صورتها المضيئة التي تزداد ألقا في عيون قيادتنا الرشيدة متمثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله؛ وسمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مهندس رؤية 2030 حفظه الله.

الذي خص من خلال رؤية السعودية الغراء.. خص الدرعية بمشاريع ضخمة بدوافع الرغبة في جعلها وجهة سياحية وثقافية عالمية؛ وإنجاز ذاك الأثر المتمثل في تعزيز وحماية التاريخ الحضاري للمملكة العربية السعودية ورفع قيمة التراث السعودي وجعله يشع ألقا؛ فخراً وزهوا بالتاريخ المجيد المرتبط بالدرعية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد