محمد بن صقر
في زيارة ترمب التاريخية للسعودية نستطيع أن نرى ونفهم أن عالم السياسة هو عالم الأمواج غير الهادئة لأنه مليء بالتعقيد والتغير المستمر، ولكن مع قيادات وسياسة المملكة الثابتة تبرز الحنكة السياسية كأداة حيوية للقادة وصناع القرار. فسياسة المملكة لا تعتمد بشكل كلي على المناورة أو التفاوض ببراعة، بل هي عبارة عن مزيج فريد من الذكاء والفطنة والقدرة على فهم الديناميكيات المعقدة للسياسة والمصالح المتضاربة واستقرارا المنطقة بشكل كلي، وعلى الازدهار وتقديم المصالح العليا بشكل كبير. كذلك عندما يتعلق الأمر بالمشاكل والأزمات، وهو ما يعصف بمنطقتنا في بعض الدول، تتحول الاستراتيجية السعودية السياسية إلى ارتقاء وفن ودبلوماسية في «تصفير» هذه المشاكل، وتحويلها من نقاط تهديد إلى فرص للنمو وتعزيز النفوذ، ليس للمملكة فحسب بل للمنطقة بشكل عام. واستراتيجية المملكة في تصفير المشاكل لا يعني تجاهلها أو إنكارها، أو غض الطرف عنها بل مواجهتها ودراستها واستيعابها وإداراتها بفعالية، وتقليل آثارها السلبية إلى أدنى حد ممكن، وفي أفضل الأحوال، استغلالها لتحقيق مكاسب استراتيجية. وهذا ما قامت بها المملكة وبقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برفع العقوبات عن دمشق ودعمها سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا، وفتح صفحات جديدة للأشقاء في سوريا ليرسموا مستقبلهم الواعد. المملكة في سياستها لا تتعامل مع مصالحها بشكل مستقل بل تربطها وتهتم بمصالح المنطقة العربية، وتحاول أن تفكك المشكلة وأبعادها المختلفة، وتحليل دقيق لأصحاب المصلحة المتأثرين ومواقفهم المحتملة. فالدبلوماسية وعنوان الاستراتيجية السعودية تأتي بنياتها الصادقة في بناء السلام العالمي وازدهار للمنطقة، وتبادل المصالح وعدم التدخل في شؤون الغير، وذلك من خلال قدرتها على قراءة المشهد السياسي وفهم دوافع الآخرين والتعامل معها وكسب ثقة العالم ودعوتهم لطاولة المفاوضات، كما حصل بين روسيا والولايات المتحدة في الرياض. وأيضاً سعي المملكة للتهدئة بين الهند وباكستان. فالمملكة هي الشريك الأول العالمي الذي يمكن الوثوق بوعوده والتزاماته، وهي الدولة التي تستطيع وتعرف وتتوقع ردود الأفعال المحتملة، واستباق التحركات المضادة والمشككين، وتكييف استراتيجيتها وفقًا للتطورات المستجدة. ومن أجل ذلك استطاعت بقيادتها الحكمية أن تواصل بناء الثقة والتأثير في الرأي العام، وكسب تأييد الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية والاقتصادية والرياضية وجميع المجالات التي تتسابق إليها الدول. سياسة المملكة في تصفير المشاكل ليست قائمة على ارتجال الحلول، بل تعتمد رؤية واضحة وقدرة بالحفاظ على الهدوء واتخاذ القرارات الصعبة تحت كل الظروف. فهي تعرف متى تكون حازمة ومتى تكون مرنة، وكيف توازن بين المصلحة الوطنية والمصالح الخاصة للأطراف المختلفة ومصالح العرب. رؤية المملكة الطموحة التي غيرت في كثير من توازنات المنطقة، أصبحت نموذجاً دولياً تم الاعتراف به عالمياً والاحتذاء بها في كثير من الدول، وأصبحت الرياض وجهة عالمية، ينظر إليها كمحطة سياسية واقتصادية، وعاصمة الحلول الواقعية والعملية.الرياض عاصمة الحلول الواقعية
مواضيع ذات صلة