: آخر تحديث

أسئلة الحرية في «مَحرَّق» البحرين

2
3
2

أُلقيت محاضرة قبل أسبوعين في «مركز إبراهيم محمد الخليفة للثقافة والبحوث»، الواقع في المحرّق ـ البحرين، بعنوان «في العقيدة والصحافة». ولأسباب خاصة بالمركز، تمت التوصية بعدم توزيع تسجيل المحاضرة. وجاء هذا المقال ليحمل اختصاراً لما قيل، بتصرّف:

من الضروري البحث عن أسباب تخلّفنا عن بقية دول العالم، بعدما كنّا أمة فاعلة، وشعلة تنوير، وخزان علم، فأوجاعنا بالفعل عميقة، ونحن بحاجة ماسّة لأن نعترف بتخلّفنا، وأن «نُغيّر لكي نتغيّر»!

قد يكون العرب العِرق الوحيد، الذي أخرجته «عقيدة دينية» منذ 1400 سنة من هامش التاريخ ووضعته في قلب الحدث العالمي. لكن يبدو أن ما ساهم في خروجهم من الأطراف كان، تالياً، ولأسباب عدة خارجة عن إرادتهم، سبباً في تجمّد وضعهم.

فما الذي حدث بحيث تقهقرنا، وتقدّمت علينا شعوب عدة لم تمتلك يوماً، ولا تمتلك حتى حالياً، شيئاً مما لدينا؟

قد يكون رفضنا التغيير، وقبولنا بالجمود، ورفضنا العمل للدنيا كما نعمل للآخرة، هو السبب. فنحن الأمة الوحيدة، التي يغلب عليها التخلّف بشكل شامل تقريباً، ونحن أيضاً الأمة الوحيدة، التي نجد الأقليات فيها أفضل وضعاً من الأغلبية، وهي الوحيدة التي نجد أن أقلياتها الموجودة في الدول الأخرى، غير الإسلامية، أقل حظاً من غيرها في الثروة والعلم والإنجاز. كما أن الحرية، لسبب أو لآخر، لا تعني الكثير لأغلبيتنا، وبالتالي لم نمانع، على مدى عصور، في تسلّط رجل الدين علينا، وما نتج عن ذلك من خراب للثقافة والفنون والآداب وأمور أخرى شديدة الأهمية، بسبب عدائهم التاريخي للحرية، لأنها طريق الإبداع، لكن الإبداع بنظرهم ضلالة، وكل ضلالة مآلها النار.

نتساءل باستمرار: لماذا نجحت دول مثقلة بجبال من مشاكل الفقر والتخلّف، وعانت مثلنا من أهوال الحروب والاستعمار والأمراض، في الفكاك من كل قيود الماضي، وتحقيق معدلات نمو مدهشة، مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية والهند وتايوان وسنغافورة وموريشيوس ورواندا وجنوب أفريقيا وبيرو وتشيلي وإثيوبيا، بخلاف ماليزيا وتركيا المسلمتين؟

الجواب بسيط، لأن جميعها آمنت، بدرجة أو بأخرى، أنها لا تمتلك ما يتطلبه التقدّم، وأن عليها الاستعانة بمعارف الغير، وفي سعيها هذا لم تضع قيوداً أمام تقدّمها، ولم تتمسك بأفكار ماضوية، بل تحرّرت من كل شيء، ووضعت مصلحة شعوبها فوق أية مصلحة أخرى، وهذا ما فعلته تركيا المسلمة، والصين الشيوعية.

لقد جربنا، على مدى قرون، العيش بطريقة أسلافنا نفسها، وممارسة ما كانوا يمارسونه لأكثر من ألف عام، ومع هذا لم تتغيّر أوضاعنا إلا للأسوأ، وفي أحسن الأحوال بقيت كما هي، والسبب أننا كررنا التجارب نفسها، والحلول نفسها لمشاكلنا، ولم نخرج بطبيعة الحال إلا بالنتائج السلبية نفسها، مصرّين على العيش فكرياً وجسدياً وتربوياً وعقائدياً في عالم مضى، رافضين العلوم الحديثة والفلسفة والتفكير النقدي، عاجزين عن الاستفادة من دين هو الأكثر انتشاراً، والذي صمد أمام كل المخاطر لأكثر من 1400 عام.

لماذا لا نتغيّر ونساوي المرأة بالرجل؟

لماذا نرفض تغيير الكثير من عاداتنا وطرق ممارساتنا؟ ألم يكن الخليفة عمر أول من فعلها؟ لماذا نرفض الاختلاف والتغيير وكل أئمة المذاهب آمنوا بذلك، وأسسوا مذاهبهم على قاعدة الاختلاف؟

لماذا لا نرحب بالتغيير في وقته، ثم نضطر تالياً لأن نقبله، مرغمين غالباً؟ فقد طبّقنا عقوبات دنيوية فورية عدة، لكن استبدلنا بها تالياً السجن. كما رفضنا، لقرون، حق الأحفاد في ميراث جدهم، ثم قبلنا ذلك من خلال قانون الوصية الواجبة. وحرّمنا تطبيق الحمض النووي في تحديد النسب، ثم عرفنا فائدته، فأصبح مشروعاً، وغير ذلك الكثير. الجواب: لأنها وغيرها جميعاً تتماشى مع الوقت ومع المنطق. وبالتالي نتساءل: لم لا نؤجّل صلاة الظهر، مثلاً، ليتم أداؤها مع صلاة العصر، لكل موظفي الدولة والشركات والمصانع، لوقوعها في ذروة ساعات العمل في الوزارات والورش والمصانع، فنضيف مليارات ساعات العمل شهرياً، بجرة قلم؟ أليس في كسب هذا العدد الرهيب من الساعات رحمة بالمسلمين، وتالياً تقوية لهم؟

يجب أن نتوقف عن التفكير أو الاعتقاد بأننا أفضل من غيرنا، وأننا سائرون على الطريق الصحيح، وأننا خير أمة، خاصة أن فصل الدين عن السياسة ليس بدعة، فقد طبقته معظم دول العالم، ولم يخربها أو يهدمها ذلك، وتجارب تركيا ودول شرق آسيا المسلمة خير برهان، فأوضاعها أفضل بكثير من الدول العربية، والسبب في الغالب يعود إلى أن هذه الدول أخذت من الإسلام اللب، وهو القرآن، ولم تنشغل بكتب التراث، لذا لم تقع بينها يوماً أية حروب «عقائدية»!

أسئلة كثيرة تتطلب قدراً كبيراً من الحرية للإجابة عنها.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد