: آخر تحديث

قمة الرياض ونجاح الزعامة السعودية

3
2
3

حسن اليمني

تجمعت الظروف الجيوسياسية الإقليمية مع الدولية لتبلور مسارا جديدا في السياسة العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، كشفتها إشارات ظهرت في زيارة الرئيس الأمريكي للرياض اعتبرت متقدمة في اتجاه العدالة الدولية.

برهنت السياسة السعودية قوتها وأثرها وصواب رؤيتها المنهجية في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ لقاء الملك عبدالعزيز رحمه الله والرئيس الأمريكي روزفلت بعد الحرب العالمية الثانية إلى رؤية الأمير محمد بن سلمان الممتدة للمستقبل، هذه البراهين ظهرت في تأريخ هذه الزيارة بنوعيتها واختلاف نتائجها عمّا سبقها من زيارات لرؤساء أمريكيين للمنطقة، وتظهر هذه النوعية في تحول المواقف المعلنة التي ظهرت في هذه الزيارة إلى مرتبة أعلى في الفهم والتلاقي مع الموقف العربي بشكل أكثر نقاء وصفاء في الرؤية المستقبلية لحال المنطقة الذي ظهر في المضي قدما نحو ترقية التعاون التقني والأمني والاقتصادي والسياسي العربي الأمريكي، وفي جانب آخر ظهر في فهرسة الجيوسياسي للمنطقة من خلال تقارب الموقف العربي والأمريكي في مدى الرؤية لمستقبل المنطقة بما يحفظ ويحقق التطور المنشود للمصالح العربية الأمريكية.

رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا والاعلان عن ذلك في الرياض لم يكن قرار لتأكيد حضور السياسة السعودية في حراك العالم وتبيان لقوة اثرها فقط بل فتح أبواب التغيير للمنطقة امام السلام والبناء والتنمية مقابل اغلاق الباب عن الحروب والدمار والعبث اللا مسئول في امن واستقرار المنطقة، فعودة سوريا للفاعلية العربية تربط انقرة بدمشق بعمان بالرياض كجدار صد صلب قوي ومتين لضبط قواعد الحراك في المنطقة بالتأكيد هو في جزء كبير منه لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وزعامتها العالمية امام القوى العالمية المنافسة، ولعل الرئيس دونالد ترامب يكون هو اول رئيس أمريكي يزور المنطقة مستثنياً الكيان المحتل وفوق هذا لا يمارس الدعاية المعتادة في تسويق الكيان المحتل بما جعل الزيارة أمريكية عربية خالية بشكل قوي من الضغط الصهيوني المعتاد على السياسة الأمريكية.

الرئيس دونالد ترامب قبل أن يكون رئيس دولة هو رجل أعمال واستثماري من الدرجة الأولى، وقوته الذاتية المالية والاستثمارية تجعله قويا في مواجهة اللوبي الرأسمالي الصهيوني، ويقدم عليها مصالح الشعب والأمة الأمريكية، ولهذا يمتلك الشجاعة اللازمة لتغيير بوصلة المسار العميق للمصالح الأمريكية على حسابات الانتخابات الرئاسية والجهر الإعلامي - حتى لتشعر أحيانا أنه في خصومة مع وسائل اعلام أمريكية المظهر والسطح - وعلى هذا الأساس لا يستغرب منه الفعل العادل والخادم لحماية العلاقات العربية الأمريكية وتبادل منافعها لصالح الطرفين وبما يخدم قوة الولايات المتحدة الأمريكية عالميا. أثبت سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء زعامة المملكة العربية السعودية في قيادة المنطقة وإدارتها بسعة الرؤية السياسية والرسم الاستراتيجي في التحول من التبعية للاستقلالية بمسار مرن وناعم ولكنه قوي ومتين، رأينا ذلك في تعديل الموقف الأمريكي تجاه سوريا ولبنان مختلف عن موقف الكيان المحتل، وهذا نجاح عربي قد يُحدث بكائيات في تل ابيب، ورأينا تحول من التصلب إلى اللين في اللغة الأمريكية تجاه إيران وبما يخدم أمن واستقرار المنطقة العربية ويحجم في ذات الوقت عنتريات الكيان المحتل، ورأينا حميمية أمريكية تجاه تركيا بما يساعد في أمن واستقرار المنطقة العربية ويخذل الكيان المحتل، وبالمختصر فإن المنطقة بزعامة السياسة السعودية حققت أرباحا ومكاسب لصالح أمن واستقرار المنطقة بما يبشر بمستقبل واعد للأمة العربية والإسلامية.

إن المواقف الأمريكية الإيجابية تجاه أمن واستقرار المنطقة التي نتجت عن هذه الزيارة التاريخية للرياض لم تكن كرما ولا مجاملة بل هي في الأصل خادمة للمصالح الأمريكية على المستوى العالمي، ولم يكن بمقدور أي رئيس أمريكي معتمد على دعم اللوبي الصهيوني ان يخطو بهذا الاتجاه، فقد اعتدنا تقديم مصالح الكيان المحتل على الشعب الأمريكي بما كان يؤجج ويخلخل العلاقات العربية الأمريكية، لكننا اليوم نشهد حضور عربي وانزواء «إسرائيلي» في رسم وبناء مستقبل المنطقة - على الأقل في المدى المنظور - ولم يكن هذا التطور في الموقف الأمريكي بمحض الصدفة او الحظ وانما نتيجة لعمل دؤوب للسياسة السعودية بزعامة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

الاتجاه الأمريكي نحو العرب والبناء العربي التركي والتوافق العربي الإيراني كل هذا خادم للزعامة الأمريكية على المستوى العالمي وفي المقابل يزيح الغطرسة الصهيونية في الكيان المحتل ويحد من قوة تأثيرها السلبي في المنطقة، وفي الصدام الأمريكي الصيني في المنطقة وبعلاقات عربية أمريكية متينة وعلاقات عربية صينية متينة يصبح امن واستقرار المنطقة خادما للطرفين الأمريكي والصيني وستظهر «إسرائيل» كبرميل بارود بيد احمق في حال استمرت في نهجها العدواني الإرهابي طال الزمن أو قصر.

اتصال استانبول بمسقط عن طريق دمشق وعمان والرياض يعني اكتمال مسار التنمية والبناء والنهوض وبربط القاهرة بهذا المسار تصبح بغداد بوابة عربية على الشرق والخرطوم بوابة عربية على العمق الافريقي والرباط تصبح جسرا يمتد إلى مدريد ويستمر ليلتقي بالمسار التركي في قلب أوروبا لتتحقق فعليا رؤية صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان في تحويل المنطقة إلى أوروبا جديدة لتصبح مركز العالم النابض، وان بدى الأمر كحلم فإننا - كما قال ولي العهد - نحلم ثم نرسم ونبني متوكلين على الله، وما حققته قمة الرياض العربية الأمريكية ربما كان حلم يوم ما لكنه اليوم حدث تتناقله وسائل الاعلام وتُعدل بموجبه سياسات دول على المستوى العالمي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد