من عجائب عدالة النظام الدولي أن الدول الخمس الكبرى، ومعها الدول العشر الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، غاضبة من "تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية والطائرات المسيرة والمتفجرات إلى متطرفي تنظيم داعش والقاعدة والجماعات التابعة لهما".
وحذرت من "قيام الإرهابيين بجمع الأموال وتحويلها بعدة طرق، بما في ذلك استغلال الأعمال التجارية المشروعة والمنظمات غير الهادفة للربح، والاختطاف من أجل الحصول على فدية، والاتجار بالبشر والمواد الثقافية والمخدرات والأسلحة".
وفي الإطار نفسه ذكر المكتب الإعلامي التابع لرئيس وزراء الإطار التنسيقي الموالي لإيران، محمد شيّاع السوداني، أنه، "منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بريت ماكغورك، أكد له، في اتصال هاتفي، دعم الولايات المتحدة لاستقرار العراق وأمنه وسيادته". و"اتفق الجانبان على أهمية مواصلة الجهود لضمان الهزيمة الدائمة لـداعش".
واقعيا، ليس سهلا علينا أن نصدق الزعم بأن هناك تنظيما إرهابيا واحدا اسمه داعش، وبأنه يُخيف دول العالم الكبرى التي لا تعرف كيف، ومن، ولا من أين إلى أين تتدفق الأسلحة والصواريخ والمسيّرات والأموال إلى داعش وشقياتها. كما أن هذه الدول الكبرى لا تعرف أن هناك نسخاً متعددة من داعش، وأن لكل واحدة منها مالكَها وممولها ومسلحَها ومدرّبَها ليحقق بها مآرب لا يعرفها إلا ذو علم عليم.
فقدرات وإمكانات بهذا الحجم وهذا الوزن لا تملكها إلا دول قادرة متمرسة. أما المزارعون والعمال الفقراء البسطاء المتهمون باحتضان داعش وتمويله وتسليحه وتدريبه ليقتلوا به مزارعين وعمالا بسطاء فقراء، مثلَهم، من أجل مكاسب سياسية أو طائفية أو عنصرية، فهم ضحايا داعش الأولون والآخرون.
ثم إن هؤلاء، رغم كل مناسيب الظلم والقهر والاعتداء والاغتصاب والتقتيل والتهجير والإختطاف والإخفاء التي دفعوا أثمانها الباهظة، سكتوا على ظلامهم أمس، ويسكتون عنهم اليوم، وسوف يسكون غدا، أيضا، لعجزهم عن مقاتلة جيوش الحكومات الظالمة ومليشياتها، ولعلمهم بأن حقوقهم الضائعة لا يعيدها قتل أبرياء في ملعب رياضي، أو مستشفى، أو سوق شعبي أو مدرسة أطفال.
والغريب أن داعش المزعوم يختفي طويلا، ولا يظهر إلا عندما ينزعج أحد أمراء المؤمنين. ومن حين إلى حين يذيعون علينا أن داعش الذي أعلنوا عن هزيمته النهائية عام 2017 قد عاد إلى الحياة.
ولكن، وطيلة السنوات التي شهد فيها العراق وسوريا وليبيا واليمن مجازر وحرائق وتفجيرات ثم ألقيت مسؤوليتها على داعش لم تقدم أية حكومة، وأي جهاز مخابرات دليلا واحدا مقنعا وقاطعا يثبت أن هؤلاء الإرهابيين هم أعضاء داعش القديمة، ومن مخلفات الخليفة أبي بكر البغدادي.
رغم أن من غير المعقول أن تكون هذه الحكومات والمخابرات الجبارة لا تملك أدلة مانعة قاطعة على هوية كل داعش يظهر هنا أو هناك، وحقيقة مالكه ومموله ومسلحه، بالأسماء والأرقام والتواريخ.
ونسأل، ألا يمكن أن تكون هناك دواعش أخرى تحمل نفس الفكر وتراودها نفس الأحلام ويقودها خلفاء وأمراءُ مؤمنين آخرون أشدُّ من أبي بكر البغدادي دموية وتطرفا وتخلفا وأكثر خطورة؟.
فأساس الفكر الداعشي (السني) يقوم على التفويض الإلهي الممنوح للخليفة الذي ذبح مجاهدوه جميع الذين تأخروا عن مبايعته بالخلافة.
وعلى الطرف الآخر، ألا يقوم الفكر الإيراني (الشيعي) على نفس أساس التفويض الإلهي، بادّعاء النيابة عن الإمام الغائب؟. وألم يأمر الخليفة الخميني، ثم وريثه خامنئي، بقتل من يعارض أو يرفض إعطاء البيعة؟.
وإذا كنتُ أنا، الفقير إلى الله، أعرف كل هذه الحقائق المبكية أليس الأكثر معقولية ومقبولية أن تكون أمريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وباقي دول مجلس الأمن الدولي أعرف مني بحقائق أكثر وأخطر بملايين المرات؟
إذن، لم هذا النفاق، ولم لا يضع مجلس الأمن الدولي نقاطه على الحروف ويريحنا ويخبرنا بمن يملك داعش واحدة، أو داعشين، أو ثلاثة، أو أكثر، يحتضنها ويمولها ويسلحها ويدربها ويستخدمها عن الحاجة؟
فللخليفة السني إمامةُ مؤمنين، وحق تقرير حدود الله، وفق ما يراه، ورسم أساسات الدولة، ووضع قوانينها وتثبيت شرعها، وحمايتها ومحاربة أعدائها، وحق أخذ الجزية، وحق السبي والاغتصاب، وتجارة الرقيق.
وللخليفة الشيعي، أيضا، أمارة مؤمنين أيضا، وله نفس الحق ونفس الصلاحيات في تقرير حدود الله، ورسم أساسات الدولة، وحق أخذ الجزية، وحق السبي والاغتصاب، وتجارة الرقيق، وإن اختلفت الأساليب والتطبيقات والاجتهادات بين الخليفتين، في العقاب والثواب والذبح والدفن الجماعي.
وإلى أمد قريب كان قادة الحرس الثوري في سوريا وحزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية المحاربة مع نظام الأسد حريصين على الحفاظ على روابط الأخوة في الجهاد بين داعش السنية وولاية الفقيه الشيعية، وعلى عدم الاحتراب بين قوات الخليفتين. ولكن النظام الدولي الباكي اللاطم على حقوق الإنسان لا يري ولا يسمع ولا يتكلم.
قالت دوناتيلا روفيرا، مستشارة منظمة العفو الدولية إنها "تملك أدلة على أن ميليشيات شيعية قامت بارتكاب عشرات عمليات القتل بحق سنة في العراق".
وأضافت أن "مجموعات شيعية مسلحة تقوم أيضًا بعمليات خطف مواطنين مدنيين سنة تفرض على عائلاتهم دفع عشرات الآلاف من الدولارات لإطلاق سراحهم". "وبالرغم من دفع هذه الفدية فان العديد من الاشخاص ما زالوا معتقلين، بل إن بعضهم قتل".
وقالت "إن مباركة الحكومة العراقية لهذه الميليشيات التي تقوم باستمرار بمثل هذه التجاوزات تعطي موافقتها على جرائم حرب، وتغذي حلقة خطيرة من العنف الطائفي".
من نصدق، ومن لا نصدق؟ هذه هي المشكلة.