: آخر تحديث

قبول أو رفض كلمات فريدمان

3
2
2

من الظواهر التي يقف المرء أمامها حائراً، ذلك الكم اللافت للنظر من كبار علماء ومثقفي وكتاب ومفكري اليهود، من إسرائيليين وغيرهم، الذين يقفون مع الحق الفلسطيني، وبدرجة تفوق بكثير، حتى مواقف بعض العرب، بمن فيهم كبار كتاب وأثرياء فلسطين، ويمثل موقف هؤلاء من القضية المثال الجيد لما يعنيه «المثقف»، المؤمن بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وليس بالمصالح والأهواء.. والأموال!

* * *

على الرغم من بعض مواقف الكاتب الصحافي في «النيويورك تايمز»، توماس فريدمان صاحب العمود الأشهر عالمياً، التي لا نتفق مع بعضها، فإن «إنسانيته» أبت عليه إلا أن يكون منصفاً في الكثير من آرائه ومواقفه، ومنها مقال أخير تضمن مجموعة من الآراء القيمة، وكيف نجح نتانياهو في «خداع» ترامب في ما يتعلق بغزة، خاصة في ما يتعلق بالأعداد المتزايدة من الفلسطينيين الذين يقتلون، وهم بانتظار تلقي المساعدات الغذائية، علماً بأن صحيفة هآرتس، تنشر باستمرار أرقام هؤلاء يومياً تقريباً.

كما لاحظ فريدمان، أنه خلال مشاهدته تراكم هذه المذابح، بأن إسرائيل تمكنت، قبلها بشهر، من اغتيال 10 مسؤولين عسكريين إيرانيين كبار و16 عالماً نووياً يجلسون في منازلهم ومكاتبهم، وعلى بُعد حوالي 1200 ميل من تل أبيب، ولم تستطع إيصال صناديق الطعام بأمان إلى سكان غزة الجائعين على بُعد 40 ميلاً منها؟ وقال إن الأمر لم يبدُ مصادفةً، بل بدا وكأنه نتاج أمر أعمق، ومُخزٍ للغاية، يتكشف داخل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو المتطرفة، دفع شخصيات رئيسية في الائتلاف الحاكم اليميني المتطرف، مثل وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، للدعوة علناً لاتباع سياسةٍ من شأنها أن تُؤدي إلى تجويع العديد من سكان غزة، إلى درجة أنهم سيغادرون القطاع تماماً. وكان نتانياهو يعلم أن ترامب لن يسمح له بالذهاب إلى ذلك الحد، لذا قدّم الحد الأدنى من المساعدة ليمنع «بلطجية التفوق اليهودي»، الذين جلبهم إلى حكومته، من الإطاحة به.

يتساءل فريدمان: كيف وصلنا إلى هنا؟ كيف لدولة يهودية ديموقراطية، متحدرة جزئياً من الهولوكوست، تنخرط في سياسة تجويع في حربها مع حماس، التي أصبحت أطول وأشد الحروب فتكاً بينها وبين الفلسطينيين، ولا يبدو أنها ستنتهي قريباً؟ ورد قائلاً: ما يميز هذه الحرب هو أنها تضع ما أعتقد أنه أسوأ حكومة وأكثرها تعصباً وانعداماً للأخلاق في تاريخ إسرائيل في مواجهة أسوأ منظمة وأكثرها تعصباً ودموية في تاريخ فلسطين. لكنهما متشابهان ليس فقط في بشاعة أهدافهما (!!) فكل منهما يسعى لإبادة الآخر. كما أنهم يسترشدون أيضاً بقادة أعطوا الأولوية باستمرار لبقائهم السياسي وهواجسهم الأيديولوجية على حساب الرفاهية الأساسية لشعبهم، ناهيك عن مصالح الولايات المتحدة. كما أن هذه الحرب ليس لها اسم مقبول بشكل عام، مثل حرب الأيام الستة أو حرب سيناء أو حرب أكتوبر. حسناً، أنا شخصياً كان لدي دائماً اسم لها. إنها حرب الأسوأ. هذه هي أول حرب إسرائيلية – فلسطينية يتخذ أسوأ القادة من كلا الجانبين جميع القرارات. لا تملك أحزاب المعارضة الإسرائيلية المعتدلة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أي نفوذ. وذكر أن «إسرائيل التي عرفناها» قد زالت، بعد أن مكنت حكومتها أمثال وزير المالية سموتريتش، لأن يقول إن منع المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة «مبرر وأخلاقي» حتى لو تسبب في موت مليوني مدني جوعاً، وأن هذا الشخص يتحدر من سلالة أقلية سوداوية ومقموعة منذ زمن طويل في التاريخ اليهودي، ويمثل الصراع العميق في التراث اليهودي بين من يؤمنون بأن جميع البشر خُلقوا على صورة الله، وبالتالي يوجد ما يُسمى «بالإنسانية»، وأقلية تُجادل بأنه لا وجود للإنسانية في حد ذاتها؛ هناك فقط «نحن» و«هم»، وعلى اليهود التغلب على إنسانيتهم، لكي تكون لهم السيطرة، ونتانياهو لم يكتفِ فقط بتمكين أسوأ السيئين منهم، فحسب، بل سعى في الوقت نفسه إلى تحريرهم من قواعد القانون، وسحب السلطة من حرَّاس إسرائيل التاريخيين، والمستقلين والأكثر أخلاقية (وسبق أن تطرقنا لتصريحات عدد منهم)، بينهم رؤساء سابقون لأجهزة أمنية ورؤساء وزراء سابقون. كما خدع نتانياهو ترامب وويتكوف وأوهمهما أنه يستطيع تحرير الرهائن بتوجيه ضربات عسكرية أشد على حماس ومزيد من المعاناة للمدنيين في غزة، وحصر السكان في زاوية صغيرة من القطاع. لكن تبيّن أن كل ذلك كان خاطئاً، فلم تُهزم حماس، وعندما اضطرت إسرائيل في النهاية إلى استئناف إمداد الغذاء من خلال منظمة التوزيع التابعة لها، مؤسسة غزة الإنسانية، كان أداؤها سيئاً لدرجة أن أعداداً لا تُحصى من سكان غزة كانوا يموتون يومياً وهم يتدفقون على مواقع التوزيع الإسرائيلية.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد