: آخر تحديث

تجفيف منابع المشاهير.. لصالح مؤسساتنا الإعلامية

2
2
2

أثناء كتابتي لهذا المقال، صادفتُ على منصَّة «تيك توك» مقطعًا قصيرًا اختصر كلَّ ما كنتُ أرغبُ في قوله، وذلك عبر قصَّة رمزيَّة حملت عنوان: «اذبحوا راعي الكلب»، وكلمة «اذبحوا» هنا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالعنف، بل هي استعارة لغويَّة يقصد بها معالجة جذور المشكلة، بدلًا من الاكتفاء بعلاج أعراضها.

تتلخَّص القصَّة في أنَّ أغنام أحد الرعاة كانت تتعرَّض باستمرار لهجمات الكلاب الضالَّة، وفي كلِّ مرَّة كان أبناؤه يقضون على أحد الكلاب، كان يكرر وصيَّته لهم: «دعوا الكلب، واذبحوا راعي الكلب». وفي النهاية، وبعد طول عناء وفشل في إنهاء المشكلة، قرَّر الأبناء تنفيذ نصيحة أبيهم، فتعقَّبوا مصدر الكلاب، وتخلَّصوا من راعيها، لتنعم أغنامهم بعدها فورًا بالأمان والراحة.

هذه القصَّة -كما أوردها الرَّاوي- تجسِّد ما يعيشه مجتمعنا اليوم من أذى مستمر، سببه تمادي كثير من «مشاهير» شبكات التواصل الاجتماعيِّ، الذين لا يُقدِّمون سوى محتوى هابط، قائم كليًّا على الإيحاءات الرخيصة، والتهريج المفرط، وذلك بحثًا منهم عن الإثارة والمشاهدات السريعة، دون أي اعتبار للأخلاق، أو الذوق العام. ولم يتوقَّف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزوه إلى ممارسات مُسيئة خارج حدود الوطن، كما حدث مؤخَّرًا في أذربيجان، حين أقدم بعضهم على الاستهزاء بقبور رموز البلد، في سلوك صادم يناقض القيم الإنسانيَّة، ويضر بسمعة وطنهم في الإعلام والرأي العام.. ففي الوقت الذي تتنافس فيه الدول على بناء صورتها الإيجابيَّة عبر الثقافة والسياحة والفنون والإعلام وغيرها، تأتي مثل هذه التصرُّفات لتقوِّض -في لحظات- كثيرًا من تلك الجهود.

ولعلَّ الخطأ الأكبر هو حصر المسؤوليَّة في المتابعين، وغالبيتهم من المراهقين، وصغار السِّن، أو الاكتفاء بالدعوة إلى المزيد من حملات التوعية والنصح. فالحقيقة أنَّ جذور المشكلة أعمق من ذلك، وتكمن أساسًا في الشركات والمؤسَّسات التي تغذِّي هذه الظاهرة بأموالها عبر إعلانات ورعايات سخيَّة، دون أدنى مبالاة برداءة المحتوى، ولا بقيم المجتمع وسمعته.

إنَّ الحلَّ الجذريَّ -في رأيي- يكمن في تجفيف منابع «المشاهير» المسيئِين، وذلك من خلال:

- وضع نظام أكثر حزمًا وصرامةً لترخيص «موثوق»، يتم بموجبه سحب الترخيص من كلِّ مَن يتضمَّن محتواه على الإسفاف، والإيحاءات الجنسيَّة، والتهريج المُسيء، مع عدم قبول الذرائع الواهية، بأنَّ هذا مجرَّد «حريَّة تعبير»، أو «تسلية بريئة».

- إعادة توجيه ميزانيَّات الإعلانات نحو المؤثِّرين الفاعلين الحقيقيِّين، ونحو مؤسَّساتنا الإعلاميَّة الرصينة التي ما برحت تخدم الوطن، ومصالح المجتمع بجديَّة ومسؤوليَّة، والحد من كافة ممارسات تصدير أولئك «المشاهير» وتقديمهم كقدوات، أو الاستعانة بهم؛ بدلًا من الصحفيِّين الحقيقيِّين. خلاصة القول: الأموال التي تُهدر على «مشاهير» يُسيئون إلى مجتمعهم، من الأجدر توجيهها نحو مؤسَّساتنا الإعلاميَّة الرزينة، التي يعاني معظمها اليوم ماديًّا؛ بسبب نزيف الإعلانات لصالح هؤلاء «النجوم الوهميِّين».

إن استمرار هذه المؤسسات ومساعدتها على التطور، يعني بقاءها كمنابر واعية قادرة على صناعة رأي عام مسؤول، وتقديم صورة إيجابية للوطن، بدلًا من ترك الساحة لأشخاص لا يضيف وجودهم سوى سمعة سيئة، وانحدار لقيم المجتمع وأخلاقه.

@skateb


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد