سارا القرني
في كل قلب حكاية غير مكتملة، ومشاعر لم تكتمل فصولها، وحنين يجرّنا نحو أبواب أغلقناها بإرادتنا أو غُلقَت في وجوهنا رغماً عنّا.
الحب؟
ذاك الشعور العظيم الذي كتبنا عنه، وغنّى له العاشقون، وسقط بسببه أقوياء، ليس كما يبدو دائمًا.
في هذا الزمن، كثيرًا ما يتحوّل الحب من نعمة تُغني، إلى لعنة تُفني، لأنه يُمنح لأشخاص لا يعرفون كيف يصونونه، ولا كيف يحتملون مسؤوليته.
نحن لا نُرهَق من الحب الصادق.. بل من محاولات إثباته.
من الذين لا يرون في مشاعرنا إلا عبئًا، وفي قربنا إلا فرصة.
من الذين يتقنون صناعة الحضور المُزيّف، ويُتقنون أكثر التلاشي حين نحتاجهم. كم مرة ظننت أنك وجدت «المنتهى»، ثم اكتشفت أن ما ظننته مأمنًا كان مجرّد وهم مؤقت؟
كم مرة قلت في داخلك: «هذه المرة مختلفة»، لتجد أنها كانت نسخة أخرى من خيبة قديمة.. بثوبٍ جديد؟
في متاهة الشعور، نبحث عن المعنى، عن اليقين، عن شخص لا يُجبرك على شرح نفسك في كل مرة، ولا يجعلك تخاف أن تكون على سجيتك. لكن الحقيقة أن أكثر من يجرحنا.. هم أولئك الذين وعدونا ألا يُشبهوا من سبقهم.
الخذلان لا يأتي فقط ممن رحل.. بل من الذين بقوا دون روح، دون شغف، دون دفء. من الذين حضروا بأجسادهم فقط، وتركوا قلوبهم معلّقة في أماكن لا نعرفها.
في لحظة صدق، نكتشف أن ما ظننّاه حبًا.. لم يكن سوى تعلق، أو خوف من الوحدة، أو عادة تُشبه الأمان.
وأن أقسى العلاقات ليست تلك التي تنتهي، بل التي تبقى وتقتلك كل يوم ببطء.
في متاهة الشعور، لا بد أن نمتلك البوصلة: أن نعرف متى نمنح، ومتى نتراجع، ومتى نختار أنفسنا دون شعور بالذنب.
فالحب لا يجب أن يُقصّر في كرامتك، ولا أن يُشعرك أنك دائمًا الطرف الذي يُعطي. والمشاعر التي تُقيّدك باسم الوفاء.. ليست وفاء، بل عبودية عاطفية مغلّفة بالوهم. نحتاج أن نعلّم قلوبنا أن لا تذبل عند أول فتور، وأن لا تلهث خلف من لا يُبادر.
أن تفتخر بذاتها، وتُحب بعقل، وتسامح دون أن تنسى حدودها.
إن أجمل المشاعر هي تلك التي تبنيك، لا تلك التي تُهدر سنينك بحثًا عن ذرة اهتمام.
وفي النهاية، اعلم أن الحب الحقيقي لا يُنهكك، بل يحميك.
لا يُطفئك، بل يُضيئك.
ولا يُشعرك أنك أقل.. بل يُذكّرك دومًا كم أنت كافٍ.
وإن وجدت نفسك في متاهة لا تشبهك.
اخرج منها، ولو وحدك.
لأن السلام لا يُمنح.. بل يُنتزع، حين تُقرر أنك تستحقه.