: آخر تحديث

«دعوة للتسامح»

4
4
4

عبدالعزيز الكندري

الهروب إلى المكتبات فيه فوائد كثيرة، لأنها تساعد في زيادة الوعي، وقراءة كتب التاريخ للاستفادة منها للمستقبل وطرح الأسئلة والتفكير بعقلية نقدية صرفة، حتى نستفيد ونفرق بين المعلومة الصحيحة والخاطئة، وهذا أمر في غاية الصعوبة خاصة لكتب التاريخ الذي يكتبه المنتصر في العادة، والبعض يقرأ كتب التاريخ ليبحث عن الثارات والتي أغلبها كتبت بشكل غير مهني ليبرر حقده على الآخر، والذي يتشابه معه إلى درجة التطابق!

وأحد كتب التاريخ الذي قرأته يتحدث عن الحرب العالمية الثانية والتي كانت في عام 1939 واستمرت حتى عام 1945، وشاركت فيها معظم دول العالم، وبدأت الحرب بغزو ألمانيا لبولندا عام 1939، وانتهت باستسلام اليابان في 1945.

وأدت الحرب إلى مقتل ما يقدر بنحو 60 وبعض الكتب تقول 80 مليون شخص، مما يجعلها الصراع الأكثر دموية في تاريخ البشرية.

ثم بدأت فكرة إنشاء الاتحاد الأوروبي في أعقاب الحرب العالمية الثانية والذي يجمع بين مصالح الدول، مع تأسيس المجموعة الأوروبية للفحم والصلب عام 1951.

ثم توسعت لتشمل مجالات أخرى بتوقيع اتفاقية روما عام 1957، لتصبح المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وتم تفعيل الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي بموجب معاهدة ماستريخت عام 1992.

ومن أهم أهداف الاتحاد الأوروبي، هو تعزيز السلام والأمن، وتحقيق التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول الأعضاء، وتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، وتطوير مجتمع يقوم على التضامن والعدالة. والعملة الرسمية اليورو (€) لـ20 دولة من أصل 27 في الاتحاد، وتُعرف هذه الدول باسم منطقة اليورو.

وأنا أقرأ عن الاتحاد الأوروبي، أستغرب من دول كانت تخوض الحروب ضد بعضها البعض وقتلت أكثر من 60 مليون إنسان قبل 80 عاماً فقط... والآن تناست أحداث الماضي واتحدت في كتلة واحدة، وعملة واحدة، ووزير خارجية، لأن مصالحها مشتركة، وتعمل من أجل مصالح شعوبها بالرغم من الاختلاف الكبير في تاريخها ودياناتها.

ونحن كمسلمين نتشابه مع بعض لدرجة التطابق، ومع ذلك نبحث ونحفر في كتب التاريخ للبحث في أحداث وقعت قبل أكثر من 1000 عام لكي نجد وقائع، بعضها بالكاد تكون صحيحة لنختلف مع الطرف الآخر!

لماذا نحن كمسلمين نعيش بذكريات مؤلمة، ودائماً نفكر بالخصومات والخلافات، ونتقاتل ونتنازع حتى على أتفه الأسباب؟ لماذا لا نفكر في المستقبل لنا ولأبنائنا؟ متى يأتي اليوم الذي لا نورث أبناءنا نلك الاختلافات؟!

وإذا كان ديننا يدعونا إلى التسامح والعفو عن الآخرين، لماذا لا نلتزم بشرائع ديننا الحنيف، والله تعالى يقول «فمن عفا وأصلح فأجره على الله» (سورة الشورى: 40). والإمام جعفر الصادق يقول «لأن أندم على العفو عشرين مرة، أحب إليّ من أندم على العقوبة مرة واحدة».

والتسامح الذي نتحدث عنه وندعو إليه هو تقبُّل الآخرين على اختلافهم، وعدم التسرع في الحكم عليهم أو نبذهم بسبب معتقداتهم أو تصرفاتهم أو خلفياتهم الثقافية، وهو سلوك نبيل ينبع من قوة داخلية، تعكس نضجاً إنسانياً وروحياً، وحرصاً على السلام الداخلي والخارجي.

وينبغي أن نعلم أبناءنا أن التسامح ليس ضعفاً، بل هو دليل على القوة والوعي. وفي زمن تتسارع فيه الفتن والخلافات، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى نشر ثقافة التسامح في مجتمعاتنا، لنحيا في عالم يسوده الحب والسلام والاحترام المتبادل خصوصاً في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

وإن النواة الحقيقية لغرس قِيم التسامح هي الأسرة التي يتربّى بها الأبناء خصوصاً من الأبوين، حيث نقوم بتربيتهم على هذه الخصلة الحميدة، وأن يتسامحوا مع أصدقائهم وجيرانهم، والمدرسة والمسجد أيضاً لهما دور كبير جداً حيث يقضي الشاب سنوات من حياته فيهما، إضافة إلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لما لها من دور كبير في المجتمع.

يقول المرحوم نجيب الزامل: «انظر إلى ما يجري الآن من انتهاكات للروح البشرية، وعمليات انتقام وحقد لا يتحمّلها الضمير الإنساني في جوهره، بسبب حكايا موغلة بالزمن أو من أوهام وخرافات صارت أقوى عمقاً وتأثيراً وتأثّراً من الحقيقة، إما بسبب الانتماء لجنس معين وإما لدين معين أو لون معين أو طبقة معيّنة»!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد