خالد بن حمد المالك
يحدثنا التاريخ عن أن إسرائيل دولة غير موثوقة، وأنها لا تلتزم بأي اتفاق توقِّع عليه، وأنها لا تحتاج إلى سبب أو مبرر للاعتداء على جيرانها، وأن أطماعها التوسعية لن تقف عند حدود اغتصابها لفلسطين عام 1948م، وهي دولة مفتوحة لا حدود لها، وهي تمتلك مفاعلاً نووياً لا تسمح لأي جهة أن تتحدث عنه، فضلاً عن أن تعترض عليه، وهي الدولة التي لا تلتزم بأي قرارات دولية، وتمارس حروباً إبادية، مدعومة ومؤيَّدة من أمريكا والغرب، وبصمت من بقية الدول الكبرى، وكأنها هي الأخرى تتفهم ما تدعيه إسرائيل من أنها -وهي المعتدية- تدافع عن نفسها.
* *
إذا كان هذا هو حال إسرائيل، وسياساتها القمعية والعنصرية، فمن أين تأتي الثقة لإبرام اتفاقيات، والبحث عبر الدبلوماسية عن حلول معها لإقامة الدولة الفلسطينية، وحتى لو اعترفت بعض الدول بدولة فلسطينية دون موافقة إسرائيل فعلى أي أرض ستُقام هذه الدولة ما بقيت إسرائيل تحتلها، وتقول إنها جزء من أرضها، وأنها لن تكون الآن ولا في المستقبل هناك دولة للفلسطينيين.
* *
ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية من احتلال ممنهج، يتم فيه إخلاء الفلسطينيين من منازلهم، وهدمها وزرع بؤر استيطانية للمستوطنين فيها، أو بتمليكها لليهود باتجاه تغيير التركيبة السكانية في الضفة الغربية الآن، ومستقبلاً ربما كان هو ذات الإجراء في قطاع غزة، وهذا لا يعطي أي إشارة لاستعداد إسرائيل للتخلي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن أن توافق على قيام دولة فلسطينية مجاورة لها، تحقيقاً للمقترح المطروح دولياً عن خيار الدولتين.
* *
لست متشائماً من المستقبل في حل القضية الفلسطينية، ولكني أعرض قراءتي للمشهد، دون خوفي من إذابة هذه القضية، متى ما تمسك الفلسطينيون بأرضهم، ورفضوا كل الإغراءات، وتحمّلوا كل الشدائد، لأن هذه هي القوة الحقيقة لاسترداد حقوقهم، وهذا الموقف هو الذي أبقاهم إلى اليوم في مواجهة إسرائيل ومن يدعمها دون أن يحقق العدو أهدافه.
* *
للملك عبدالعزيز -رحمه الله- رأي حكيم، دعا فيه إلى مساعدة الفلسطينيين لاسترداد حقوقهم منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكن مع من يطالب بزج العرب في حروب مع إسرائيل لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأن هذا سوف يعقّد الأزمة ويواجه من العالم بدعم ومساندة إسرائيل أكثر مما كان آنذاك، وسيكون أكثر اليوم لو حدث، فحكمة الملك عبدالعزيز ورؤيته كانت ولا تزال في محلها، بمعنى أن على الفلسطينيين أنفسهم أن يحرِّروا أراضيهم بالاعتماد على أنفسهم، وعلى العرب مساعدتهم، وهذا ما حدث منذ النكبة وإلى اليوم مالياً وسياسياً، وبالتالي فلا ينبغي أن يُطلب من العرب الدخول في حروب أو تحميلهم المسؤولية، أو توريطهم بما يؤثِّر على الاستقرار في دولهم.
* *
هذا يقودنا إلى القول بأن على الفلسطينيين أن يتجنبوا إثارة أي موقف أو سبب للخلافات فيما بينهم، والتمسك بوحدة الصف، والالتزام بما يخدم قضيتهم، وهذا هو الأهم في مرحلة تغيَّرت فيها موازين القوى، عسكرياً وسياسياً لصالح العدو، في ظل غياب الموقف الفلسطيني الواحد، وتفشي الخلافات بين التنظيمات المتعدِّدة، وما صاحب ذلك من ولاءات مختلفة للخارج.
* *
بعد السابع من أكتوبر أصبحت القضية الفلسطينية في خطر، ومن يقول غير ذلك، فكأنه لا يدري أو يكابر، أو يغمض عينيه عن الحقيقة، فغزة أصبحت في حكم أنها في أيدي الإسرائيليين، والضفة الغربية تتحكَّم فيها إسرائيل، والقدس وما أدراك ما القدس، تُستباح ويُساء إلى المسجد الأقصى، وليس هناك من يتصدى لمن يُدنِّس الأراضي المقدسة، يحدث كل هذا بعد هيمنة إسرائيل وسيطرتها على أكثر مما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، يقابلها ضعف وتراجع لدى الفلسطيني المقاوم، وإحباط لدى بعض الفلسطينيين من سوء إدارة قادتهم للمعركة مع إسرائيل.
* *
الفلسطينيون يمرون الآن بمرحلة مفصلية، عنوانها: تكون أو لا تكون هناك دولة فلسطينية، في الأولى يتطلب الأمر وحدة الكلمة ووحدة الصف ووحدة الهدف، وفي الثانية إذا ما استمر التعامل لقيام الدولة على نحو ما يحدث من خلافات، أو تباين في الانتماءات، والولاءات، والطموحات الشخصية، وفي ضوء ذلك فإن على إخواننا (الفلسطينيين) أن يتحرَّرا، ويعودوا إلى الالتئام بما يعزِّز وحدتهم ومواقفهم باتجاه قيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة ومعترف بها.