سيرة معالي الدكتور فهاد الحمد ليست مجرّد سرد لإنجازات وتجارب مهنية، بل قصة إنسانية تفيض بالعصامية والطموح؛ فلم يكن يومًا مجرد مسؤولٍ يمارس صلاحياته، بل إنسانٌ نبيلٌ في إنصاته، كريمٌ في تعامله، حاضرٌ بقلبه قبل مسؤوليته، ومبتكرٌ في رسم الحلول وتفجير الشغف.
في أول تجربة لي في عمل حكومي، كان معالي الدكتور فهاد الحمد هو أول من قدّمني للحياة الإدارية بمعناها المختلف، ولم تكن علاقتنا معه علاقة مسؤول وموظف، بل علاقة معلّم وزميل يؤمن بأهمية إشراك الجميع في القرار. فلمست في حضوره قيمة الإصغاء، وفضيلة الإنصاف، وعلّمني أن الإدارة ليست أوامر تُلقى، بل احترامٌ يُمنح، وإلهامٌ يُغرس، وثقة تُبنى، ولباقة تُمارس. وقد كانت سنوات العمل معه زادًا حقيقيًّا لكل محطة بعدها، حيث ترك فينا أثرًا لا يُمحى، ومفاهيم لا تُنسى، أهمها أن السلطة لا تكتمل إلا بإنسانية صاحبها.
وُلد الدكتور فهاد في سكاكا، في بيئة زراعية مليئة بالتحديات، كان العمل فيها يبدأ مع الفجر، والتعليم يُعَدُّ ترفًا يمكن الاستغناء عنه. ومع ذلك، كان منذ خطواته الأولى يترقّب فرصته، مشغولًا بانتظارها، يدفعه إيمانٌ عميق بأنه لم يُخلق لهذا السكون.. حتى التحق، بعد المرحلة المتوسطة، بمعهد التربية الفنية بالرياض، وتخرّج عام 1391هـ (1971م)، ليعود معلّمًا لمادة الفنية في مسقط رأسه.. غير أن شغفه بالعلم لم ينطفئ، بل ازداد توهّجًا، فواصل دراسته الثانوية، ثم انتسب إلى كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز، لينال البكالوريوس بتفوّق عام 1399هـ (1979م).
وفي عام 1400هـ (1980م)، بدأ رحلته الجديدة مع معهد الإدارة العامة بالرياض، فانفتحت أمامه آفاق جديدة. ولم يلبث كثيرًا حتى ابتُعث إلى الولايات المتحدة، حيث نال درجة الماجستير من جامعة نيو هافن عام 1404هـ (1984م)، ثم الدكتوراه من جامعة نيويورك عام 1408هـ (1988م). وعند عودته، واصل تدرّجه في المعهد حتى أصبح نائبًا للمدير العام للبحوث والمعلومات، ثم عُيِّن عضوًا في مجلس الشورى عام 1426هـ (2005م)، فمساعدًا لرئيس المجلس في عام 1433هـ (2012م)، حتى صدر في عام 1436هـ (2014م) الأمر الملكي بتعيينه وزيرًا للاتصالات وتقنية المعلومات، ليبلغ بذلك ذروة الرحلة من سكاكا إلى مجلس الوزراء.
وقد وثّق معاليه هذه الرحلة العصامية في كتابه «خلاصة الأيام»، الذي حمل خلاصة تجربة إدارية وإنسانية امتدت لأكثر من 45 عامًا. سيرةٌ تنبض بالكفاح، وتفيض بالدروس؛ لكنه، بتواضعه المعهود، اختصرها بقوله: “لم تكن حكايتي أو قصتي وحدي،وإنما هي حكاية جيل، وقصة وطن”.