عبد الله سليمان الطليان
كرم الله الإنسان على سائر المخلوقات ورفعه درجة بالعقل الذي هو موطن التقييم لعلاقته داخل بيئته أو خارجها وتفاعله معها، وبحسب تكوينه وعلمه، خيراً وشراً إيجاباً أو سلباً في القول والسلوك منذ بدء خلقه إلى يومنا هذا. وهنا سوف نأخذ التميز بالعقل الإيجابي المتفوق في تسلسل زمني لبعض الأمثلة التي رصدت وكانت، ولا زالت مثار حديث يتوارد ويسلط عليه الضوء في هذا التفوق الذي برز في الشجاعة والقيادة والأدب، ولكنها كانت ذا نسب وضيع أو تعرضت للرق، بداية في تاريخنا العربي والإسلامي لدينا زياد ابن أبيه (1- 53 هـ - 622- 673 م) قائد عسكري عربي مسلم، من دُهاة العرب، وسياسي أموي شهير. لم يُعرَف اسم أبيه ونسبه، فقيل إنه زياد بن عُبَيد الثَّقَفي، وقيل إنه ابنُ أبي سُفيان بعد أن استلحقَه معاوية بن أبي سفيان بنسب أبيه.
أسهم زياد في تثبيت الدولة الأموية، وبعد ذلك نأتي إلى الأمير الحبشي كافور الأخشيدي رابع حكام الدولة الأخشيدية الذي تربع على عرش مصر والشام، كان رقيقاً من الحبشة اشتراه الأخشيدي ملك مصر سنة 312هـ فنسبه إليه، وأعتقه فترقى عنده، وأصبح رابع حكام الدولة الأخشيدية في مصر والشام، هذا في تاريخنا العربي والإسلامي وإذا انتقلنا إلى الغرب نجد ليوناردو دا فينتشي هو فنان ومخترع إيطالي كثيرُ المعارف عاش في عصر النهضة، ويشتهر بإنجازاته العلمية واختراعاته وبأنه كان رسامًا ونحاتًا وأديبًا ومعماريًا وموسيقيًا ومهندسًا حربيًا وعالمًا في الفلك والرياضيات والفيزياء والجيولوجيا والنبات والخرائط.
انكبَّ الباحثون على التكهّن بأصول والدة ليوناردو، فتارةً يُقال أنها أَمَةٌ من بلادٍ أجنبية وتارةً أنها شابةٌ فقيرة من إيطاليا. ولم يكن لليوناردو اسم عائلة بالمعنى الحديث للكلمة، إذ تعني كلمة «دا فينتشي» أنه من بلدة فينتشي؛ فكان اسمه الكامل عند الولادة ليوناردو دي سير بييرو دا فينتشي، وأخيراً إلى الروائي والكاتب المسرحي الفرنسي (الكسندر دوماً) الذي ولد لأب فرنسي وأم من الرقيق ذات الأصول الأفريقية، بلغت صفحات أعماله المنشورة الأدبية 100.000 صفحة.
لقد برز هؤلاء بقدرات عقولهم النيرة في مجتمعاتهم على الرغم من وضاعة النسب التي لم تكن عائقا أمامهم من في الوصول إلى تحقيق طموحاتهم التي جعلت منهم روادا يشار لهم بالبنان في التميز والتفوق العقلي.
لقد أشار الله عز وجل إلى قيمة العقل في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الرعد: 19] أن أولي الألباب يتصفون بتسع خصائص عقلية، تميزهم عن غيرهم من العقلاء.
تلك الخصائص هي: التقوى، والموازنة بين المصالح والمفاسد، وفقه الأولويات، والحكمة (الإتقان)، واستقامة الفهم، والتفكر المثمر، والاهتمام بمعايير التميز، والاعتبار بالسنن التاريخية، والتدبر المفضي إلى اليقين.