طلال صالح بنان
في مقابلة تلفزيونية مع شبكة إخبارية إسرائيلية زعم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أنه يشعر بأنه في مهمة روحية دينية تاريخية.. وعندما سأله المحاور: هل يقصد مشروع إسرائيل الكبرى، أجاب، بثقة: جداً.. وذكر بعض الدول العربية، التي تخطّط إسرائيل للتوسّع في أراضيها لبناء إسرائيل الكبرى، من بينها دول عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بموجب معاهدات سلام موقعة، مثل: مصر، والأردن، والسلطة الفلسطينية، وأردف قائلاً: إن إسرائيل الكبرى تشمل أراضي فلسطين التاريخية، بالإضافة إلى مصر، والأردن، وسوريا، نزولاً جنوباً تجاه شمال شبه جزيرة العرب، في خطٍ مستقيم يبدأ من منتصف جمهورية مصر العربية شرقاً، لوسط شبه جزيرة العرب.
هذه التصريحات الخطيرة، ليست بجديدة، صدرت قبل ذلك من رموز سياسية رسمية، كانت في داخل مؤسسات الحكم، في الدولة العبرية، ألمح إليها أول رئيس وزراء إسرائيلي ديفيد بن جوريون، عندما قال: علينا بناء دولة ديناميكية توسعية.. كما نُسب إلى رئيسة وزراء إسرائيل، أثناء حرب ١٩٧٣، قولها: إني أشتاق لرائحة أجدادي! مهما قيل، في تفسير أو تبرير تصريحات نتنياهو، تتجاوز كونها مناورة سياسية، بين النخبة الحاكمة في تل أبيب.. ولا هي مجرد تصريحات صحفية، تتناقلها وسائل الإعلام، أو مجرد نقاش حول قضية تشغل الرأي العام الإسرائيلي ووسائل التواصل الاجتماعي داخل المجتمع الإسرائيلي، هذه تصريحات تعكس عقيدة سياسية توسعية لدولة معادية للسلام، تضمر شراً لاستقرار المنطقة، وتبيت أمراً خطيراً جللاً، للسلام في أرض الرسالات، وللعالم.
في حقيقة الأمر: لا يمكن فصل ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي في وقتٍ تمارس فيه إسرائيل حرب إبادة جماعية في غزة، لطرد أهلها منها، بإجبارهم على مغادرتها، ومن ثَمّ إعادة احتلال القطاع، عن سياق محاولة نتنياهو وحكومة الحرب التي يرأسها، استعادة قوة الردع، التي كشفت هشاشتها وضعفها واخترقتها فصائل المقاومة بغزة. هذه التصريحات العنصرية البغيظة المعادية للسلام والإنسانية تعكس عقيدة سياسية دينية تشترك فيها الحركة الصهيونية مع حركة اليمينيين الإنجيليين البيض في شكل تحالف خطير بينهما، ضد الإسلام والمسلمين. سبق للرئيس الأمريكي، في بداية فترته الثانية (الحالية)، زعمه: من أن إسرائيل دولة ديمقراطية متقدمة، لكن إقليمها في منتهى الصغر يمثّل فقط نقطة في خضم محيط من الأراضي العربية، تحكمها أنظمة رجعية مستبدة. هكذا وبكل صراحة يتكلم رئيس أقوى دولة في العالم وأغناها وأكثرها تقدماً، وهي المسؤولة الأولى عن استقرار وسلام العالم، يحرض دولة مارقة معادية للسلام، للتوسع على حساب أراضي وأمن جيرانها العرب!
بعد كل هذه العجرفة والوقاحة في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي المستفزة والمعادية للسلام يبقى هناك من يأمل في عقد معاهدات سلام، بل وتطبيع مع الدولة العبرية!؟ بل وصل بالبعض إلى المشاركة الفعلية في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة والأراضي الفلسطينية للإجهاز على المسألة الفلسطينية، مرة واحدة وللأبد!؟ حتى أن المرء ليستغرب لماذا يقف البعض لجانب الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، بسلوكيات سلبية وإيجابية، وهم يرون بأم أعينهم كيف تخترق استراتيجية الردع الإسرائيلية، من قبل فصائل فلسطينية محاصرة تتعرّض لآلة عسكرية جهنمية، لم تعد قادرة على تحقيق أي من أهدافها العدوانية على قطاع غزة، في أقصى نقطة من أرض فلسطين التاريخية لا تتجاوز مساحتها ٣٦٠ كم مربع.
أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ كشفت الكثير عن المشروع الغربي في قيام إسرائيل، كما أظهرت كم هي سياسة الاسترضاء التي يتبعها بعض العرب، تجاه إسرائيل، لتطال كل محبٍ للسلام في العالم، في الوقت الذي ما زالت فيه ذكرى محاولة الحلفاء استرضاء هتلر على حساب سلام العالم وأمنه ماثلة. لقد قادت دبلوماسية الاسترضاء تلك إلى الحرب العالمية الثانية، التي راح ضحيتها أكثر من ستين مليون نسمة، في ثلاث قارات، شملت المياه واليابسة والأجواء، من شرق المعمورة وحتى غربها.
لعلّ أولئك ممن بقي من العرب يسعى لاحتواء إسرائيل بنهج الاعتراف والتطبيع معها، لا يختلفون كثيراً عن النخبة السياسية التي تحكم الدولة العبرية، وربما أنكى خطراً وكيداً على السلام، فإسرائيل آجلاً أم عاجلاً سيكونون هم أول ضحايا استراتيجيتها التوسعية. بناء إسرائيل الكبرى، لم تعد أضغاث أحلام عند المهووسين من قادة إسرائيل الذين غشيت أبصارهم أساطير غيبية، لا تجد طريقها إلا في مخيلة أعداء السلام والإنسانية، من عتاة جبابرة التاريخ ومجرمي الحروب، من أمثال: هتلر وستالين ونيرون جنكيز خان وهولاكو.
باختصار: إسرائيل، لا فرق سواء صغرى أم كبرى، لن يكون لها موضع قدم في أرض السلام والرسالات.. وهي في أي صورة تكون فيها إلى زوال. تلك حقيقة تاريخية، كما هي نبوءة إلهية سماوية. لكن علينا ألا نأخذ بمقولة: «للبيت ربٌ يحميه»، عندما يكون الهدف الاستراتيجي الأول لبني صهيون وحلفائهم من مهووسي التطرف المسيحي الأرعن هدم القواعد، وتقويض كل ما يرمز إليه من عقيدة وعدل وصلة بين رحمة السماء والسلام على الأرض.