: آخر تحديث

يوم أخفقت سعاد

1
1
0

تشكو مجتمعاتنا من قلة «الليبراليات»، وإن وجدن فالأغلبية تكتفي بقول أو نشر رأي أو مقال، والانكفاء بعدها، فمجتمعاتنا المحافظة، هي في الغالب ظالمة، لا ترحم من تبدي رأياً يخالف النسق العام.

لم يبقَ عاقلٌ لم يدرك حتى الآن مدى عمق الخطر، الذي يشكله الإخوان المسلمون، أينما تواجدوا، ومن يهوّن من خطرهم إما غير مدرك لحقيقتهم أو صاحب مصلحة. فقد أصبحوا كالسرطان، الذي ينخر في كل جسد يستوطنه، ناهشاً كل ما يقف في طريق تحقيقهم لفكرة «الخلافة»، التي تعني «الدكتاتورية الدينية»، حيث ينتقل فيها الحكم من مرشد لآخر. وكان من الممكن في الحد الأدنى، احترام آراء هؤلاء لولا تكرر فشلهم، منذ تأسيس حركتهم قبل مئة عام تقريباً، وما استخدموه من عنف مع معارضيهم، فلم يوفقوا يوماً في أية انتخابات (خارج حواضنهم الفقيرة والجاهلة)، ولم يوفقوا يوماً في اختيار من يمثلهم. وسبق أن شهد على ذلك سياسي قطري، سابق، في الصندوق الأسود! ووصولهم لإدارة أو حكم أية جماعة أو جمعية أو حي أو منطقة، دع عنك الأمور الأكثر خطورة، يعتبر في حكم الكارثة.

كتبت الزميلة العزيزة «سعاد المعجل» مقالاً في أكتوبر 2024، بعنوان «فن الاختلاف مع الإخوان»، دعت فيه، صاحبة الفكر الطليعي، لنبذ الخلاف معها، وأن «اختلاف الآراء والأذواق والرؤى متعدد كاختلاف ألوان الفراشات»، وهكذا أصبحنا والعزيزة سعاد والإخوان، وكل هذا الصراع الدموي شبه الأزلي، كالفراشات، فيا له من تشبيه حاد في تطرفه الناعم.

لم أشأ حينها التعليق على ما كتبت، بالرغم من أنها استدركت واعترفت بشديد اختلافها مع الإخوان، وكيف أنهم ارتكبوا أخطاء سياسية فادحة عبر تاريخهم، وأنهم قد انتهجوا العنف في أحيان كثيرة. وبالرغم من أنها حملتهم مسؤولية تردي العديد من أوضاعنا، فإنها حمّلت الكثير من الحكومات، بتحالفها التاريخي معهم، المسؤولية الأكبر. ودعت إلى ما يشبه الرفق في التعامل مع الإخوان، بالرغم من انتمائها إلى تيار مخالف لهم، وضرورة التعامل معهم وفقاً لمسطرة القانون، التي تقع على الجميع، وليس وفقاً لرغبات المختلفين معهم، علماً بأن الإخوان لا يعترفون أصلاً بالقوانين والدساتير الأرضية، فكيف يمكن قبول وجهة النظر هذه؟ وكيف يمكن الاقتناع بأن الدستور هو الحافظ، وهم لا يؤمنون بحرف من حروفه، وهم الذين لم ينشروا يوماً الطريقة أو المانيفستو، الذي على أساسه سيديرون أية حكومة، متى ما تسنى لهم ذلك، لأنه أصلاً غير موجود! وبالتالي أجد شخصياً أن من الأنسب الوقوف، دون تردد، مع ما تمثله الحكومة والليبرالية، حتى لو انتهى، في نهاية الأمر، لأن يكون مصيري كمصيرهم، وهذا خير من أن أصبح لقمة سائغة في فم جماعة متشددة، لم يعرف عنها يوماً، لا عدل ولا رحمة!

عادت «سعاد»، الشابة والليبرالية العتيقة، وبعد عام كامل من مقالها الأول، وذكرت في مقال أكتوبر الماضي، بأن تيار الإخوان اقتنص حالة الفراغ السياسي، التي أحدثتها هزيمة 67، واحتل، منذ يومها، المشهد السياسي، وامتد داخل البيوت وأماكن العمل والجامعات والمصانع والإعلام، وسيطر تماماً على الوعي العربي، وكان سلاحه آنذاك حالة الانكسار والهزيمة، التي اجتاحت كل الساحات العربية، مُحدِثة فراغاً سياسياً هائلًا. واستطاع، هو وما يماثله، أن يلتقي في جزئية إغلاق العقل العربي، ومحاربة الإبداع بكونه فتنة، والوقوف في وجه كل مظاهر التفكير والتعبير الحر.. وبعد كل ذلك دعت الزميلة إلى التعاون معهم، لأنهم، لربما، يكونون الفصيل السياسي الوحيد المُنظّم، الذي يجيد المناورة والمراوغة والتحرّك بفطنة ودهاء في دهاليز السياسة المعقّدة، وعقد التحالفات مع كيانات ودول قوية سياسياً وعسكرياً! فهل هذا يكفي لتجاهل كامل تاريخهم الدموي والرافض لأي طرف ينازعهم في الرؤية والحكم، بخلاف فشلهم السياسي؟

ركزت العزيزة سعاد، في أغلبية مقالها الأخير، على تقديم «النصح السياسي» لجماعة الإخوان، ومن نصائحها عدم إقصائهم لأي طرف أو أي فكر أو نهج مخالف لهم، والامتزاج جيدًا مع ظروف العصر، وعدم تكرر أخطاء الماضي، والتوقف عن نهج تصفية المفكرين والسياسيين ورجال الأمن والقضاء، وغير ذلك من نصائح، تعلم سعاد جيداً أن قبولها يعني نهايتهم! فبالرغم من كل ما اتسمت به قيادة الإخوان من تواضع فكري وسطحية في الفهم، فإنها لم تبلغ تلك الدرجة من الغباء، بحيث تستمع لنصائحها، دع عنك قبولها، فهذا يعني القبول بالآخر، حتى لو كان شيوعياً ماركسياً، أو ملحداً ليبرالياً، أو اشتراكياً مسيحياً، وهذا ما لا يمكن توقعه منهم، فلِمَ، يا سعاد، إراقة الأحبار.. جزافاً؟!



أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد