عبدالعزيز سلطان المعمري
مر أكثر من عامين، والسودان يعيش واحدة من أكثر المآسي تعقيداً وإجراماً مرت عليه في تاريخه الحديث، وما نراه اليوم للأسف أن الحرب الأهلية السودانية لا أفق لنهايتها، ومعاناة شعب السودان ما زالت مستمرة، وتتأزم وتتعقد أكثر، الدماء تسفك، والأرواح تباد بدم بارد، كل ذلك يتم باسم «الوطن».
طرفا النزاع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كل منهما يكتب ويصوغ روايته وسرديته حسب مبتغاه وأجندته، ويرمى الاتهامات والافتراءات على الطرف الآخر بل على أطراف خارجية، والمتأثر الذي يعاني ويتألم ويموت، هو الشعب السوداني الذي أصبحت كل طموحاته وآماله فقط الحياة بسلام وأمان وعزة وكرامة.
ما حدث في مدينة الفاشر يمثل ذروة المأساة السودانية وجريمة إنسانية لا تغتفر، ما حدث يعد انهياراً للضمير الإنساني.
ما حدث في الفاشر ليس معركة، بل مجزرة ضد المدنيين لا يمكن قبولها، وهو دليل على أن طرفي النزاع فقدا شرعيتهما الأخلاقية والسياسية. إن محاسبة المسؤولين ووقف الحرب أصبحا واجباً أخلاقياً وإنسانياً.
موقف دولة الإمارات واضح وصريح وقوي تجاه ما يحدث في السودان، وقد عبّر عن ذلك السفير محمد أبو شهاب، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، بكل وضوح وصرامة في كلمته أمام مجلس الأمن، حين قال إن طرفي النزاع قد فقدا الأهلية الأخلاقية والسياسية لقيادة السودان، ولا يمكن أن يكونا جزءاً من مستقبل السودان.
الموقف الإماراتي لا يمكن اعتباره مجرد تعبير سياسي أو دبلوماسي، بل هو رسالة أخلاقية وإنسانية، لأن الحقائق لا يمكن أن تُغيَّب بالمزاعم والاتهامات أو اختلاق الأكاذيب، كل عاقل وواعٍ وصادق يعلم ويعي أن دولة الإمارات ليست طرفاً في النزاع السوداني، وأنها لا تدعم أي طرف من الطرفين.
إن أردت، ابحث عن دولة الإمارات فستجدها أينما احتاجها الإنسان وأينما كانت مصلحته، ستجدها تقرب بين وجهات النظر بين المتحاربين والمختلفين حتى تُوقع اتفاقيات السلام، ستجدها في المبادرات والأعمال الإنسانية التي تهدف إلى إنقاذ الناس وتوفير احتياجاتهم وراحتهم.
ستظل دولة الإمارات، كما يعرفها الجميع، تدعم استقرار السودان وتحرص على مستقبله وشعبه، كل ذلك نابع من القيم الأخلاقية والإنسانية الإماراتية، وإنّ موقف دولة الإمارات من السودان هو امتداد لنهج دبلوماسي إماراتي يقوم على أن الاستقرار الإقليمي لا يتحقق إلا بإطفاء الحرائق والفتن والحروب، لا بتأجيجها ودعمها.
أما الذين يفتعلون المزاعم ويختلقون الأكاذيب، فستكون نهايتهم منسيين، مطرودين من ذاكرة التاريخ، لأن الأكاذيب تتبخر وما هي إلا غثاء، ولأن الحقيقة مهما تأخرت ستبقى هي الأقوى من كل ذلك الضجيج، ومن الأصوات العالية.
وعليهم معرفة أن افتعال الأزمات واختلاق الروايات وتلفيق المزاعم لا تحل أزمة السودان، وما هي إلا محاولات يائسة وفاشلة سواء لتبرير إخفاقاتهم وفشلهم، أو لتبرئة أنفسهم وإبعاد المسؤولية عنهم، ولصرف وتشتيت الأنظار عن جرائمهم.
يجب أن يعلم هؤلاء أنه لا حل ولا سلام في السودان إلا بوقف الحرب ووضع مصلحته هي العليا، ولن يكون هناك استقرار إلا عبر انتقال سياسي سلمي مدني للسلطة السياسية.
من يتابع المشهد السوداني، يدرك جيداً أن السودان حقيقة لا يعاني من مؤامرات خارجية ولا من تدخلات دولية غامضة، كما يدعي البعض ويروج لذلك، إن ما يحدث هو نتيجة طبيعية ومُرة لسعي وحب المتصارعين والمتحاربين للسيطرة على مقدرات البلد، ولو كان ذلك على حساب الوطن والبشر، هذه هي الحقيقة المُرة، هنا لا يمكن أن نجامل ونزين وننمق الكلام، لأن من يقتل شعبه لا يمكن أن يؤتمن أو أن يكون صانعاً لمستقبل وطنه وأميناً على شعبه.
على الباحثين عن السلطة، المروجين للأكاذيب والادعاءات معرفة أن السودان لا يحتاج إلى ذلك، هو يحتاج إلى من يمتلك الشجاعة والأمانة والإخلاص له، ويقول كفى سفكاً للدماء، وكفى كذباً وتلفيقاً، وكفى استجداء واستعطافاً للآخرين، السودان يحتاج إلى المخلصين من أبنائه لبدء مرحلة البناء والخروج من نفق الأزمات والحروب.

