عبداللطيف الضويحي
لا تزال نخبة من الجامعات السعودية تتقدّم وتسجّل أرقاماً قياسية في التصنيفات العالمية، ولا تزال هذه الجامعات تحقق إنجازات علمية مهمة، تحديداً في مجالات البحث العلمي والابتكار. فقد حققت جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود وجامعة الملك فيصل وجامعة الملك فهد وجامعة الملك عبدالله أرقاماً وإنجازات ولا تزال تسجل المزيد من النجاحات حسب التصنيفات العالمية.
في المقابل هناك ما يقارب 40 جامعة سعودية (حكومية وخاصة) خارج دائرة المنافسات العالمية أو شبه خارجة عن المنافسات ويقتصر دورها على التدريس وتخريج الطلبة والطالبات فقط. بل إن أغلب جامعات المناطق ليس لها منافس؛ لأنها الوحيدة في المنطقة التي تتواجد فيها، وتكتفي بطلاب المنطقة.
موضوع الهوية الأكاديمية البحثية المتميّزة لكل جامعة سعودية حكومية ليس ترفاً ووجاهةً اجتماعيةً، فالمجتمع المحلي والمؤسسات تجاوزت ثقافة الكم وتجاوزت ثقافة النوع، وهي الآن في مرحلة قياس الأثر. ولا يجوز أن تبقى الغالبية من جامعاتنا منعزلة بذاتها وتتسبّب بعزل أساتذتها ومنسوبيها وطلابها عن دوائر المنافسة.
إن تحديد الهوية الأكاديمية البحثية لكل جامعة حكومية سعودية يتطلب وقفة وقراراً عاجلاً وحاسماً ليس على مستوى الجامعة وحدها، وليس على مستوى الوزارة، مع كل الاحترام والتقدير لمقام الوزارة ولكل الجامعات، لكن هذا القرار في تصوري لا بد أن تتم دراسته ومراجعته وتقييمه واتخاذ القرارات بشأنه في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، لما له من أهمية على الحراك الأكاديمي والبحثي وصناعة الابتكار مباشرة ولانعكاساته العلمية والاقتصادية والتنموية والاستثمارية على مستهدفات رؤية المملكة 2023 والنهضة الشاملة التي تعيشها المملكة ككل.
أرى أن يتم تحديد هوية كل جامعة سعودية لم تستطع حتى الآن أن تبني أو تحدد وتصنع هويتها الأكاديمية-البحثية، وفقاً لاعتبارات منها مجتمع الجامعة وسوقها المستهدف، فجامعات المناطق لا بد أن تتبنى كل جامعة اقتصاد المنطقة التي تتواجد فيها. فالمنطقة الزراعية لا بد أن تتشكّل هوية جامعتها بالصبغة الزراعية، وكذلك المنطقة السياحية والصناعية والتقنية والبترولية والمعادن والغاز وكذلك المشاعر. وهذا لا يلغي بطبيعة الحال التخصصات الأخرى للجامعة التي يتطلبها السوق، لكنها تكون ضمن نطاق هوية الجامعة.
هناك بعد آخر أراه جوهرياً في صناعة الهوية الأكاديمي-البحثية للجامعة، وهو الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة أو أهمها. هذه الأهداف تشمل مختلف القطاعات والاهتمامات البشرية، ولا بد أن يكون لدينا مرجعيات علمية أكاديمية-بحثية تتخذ فيه كل جامعة هدفاً من أهداف التنمية هوية ومرجعية لهذا الهدف، وهذا لا يتناقض مع الاقتصاد المحلي الذي تعمل فيه الجامعة وتستهدفه في هويتها، بمعنى آخر، يمكن أن تجمع كل جامعة في صناعتها لهويتها بين السوق المحلي المستهدف لها والهدف التنموي المناسب لهويتها العلمية الأكاديمية البحثية.