: آخر تحديث

وانتشى النيلُ وغنّى طرباً

5
4
4

حمود أبو طالب

عاشت مصر ليلة السبت، وعاش معها العالم، احتفالية باذخة بافتتاح المتحف المصري الكبير بعد جهود تقارب ربع قرن من التخطيط والإعداد والبناء والتجهيز والتنظيم واختيار القطع الأثرية التي تمثّل أكبر عدد يضمه متحف لحضارة واحدة عبر التأريخ. وقد عشنا معها كمحبين لمصر، ومقدرين لعظمة التأريخ الذي تمثله حضاراتها المتعاقبة، وخصوصاً الحضارة الفرعونية بإبداعاتها التي أصبحت تمثل أهم وأبرز وأجمل ما تتميز به مصر.

يقول بعض المولعين بالنواح في الأفراح، إن ظروف مصر الاقتصادية لم تكن تسمح بأن يكون المتحف المصري الكبير أولوية، وإن هناك أموراً أولى منه كان يجب أن يُصرف المال عليها، كالدين العام، ودعم المواد الأساسية، والأزمة المالية، وغيرها من الجوانب، ولكن حتى لو افترضنا حسن النية لدى من يقولون ذلك، فإن قولهم يعكس قصور النظرة ومحدودية الأفق وضيق الرؤية وعدم فهم ما يحدث في العالم الراهن.

مهما قيل عن بعض السلبيات، فإن مصر بلد من أهم البلدان السياحية في العالم، وسياحة الآثار أحد أهم جوانبها، بل هي الأبرز والأكثر جذباً للسياح من مختلف دول العالم. والحقيقة أن الآثار الهائلة في مصر لم تكن تجد مكاناً لائقاً يحتويها بالتقنيات الحديثة وحسن العرض وتقديمها إلى السياح بشكل احترافي كما هو في متاحف الدول المتقدمة. صحيح كان هناك متحف عتيق لكن الزمن تجاوزه، ولم يعد موقعه أو سعته أو تقنياته تناسب الوقت، ولهذا كان مشروع المتحف الجديد مشروعاً وطنياً إستراتيجياً، يحفظ تأريخ مصر، ويمثل منجزاً ثقافياً وحضارياً للإنسانية. كما أنه سيكون الوحيد من نوعه الذي يجذب ملايين السياح للتعرف على حضارة واحدة زاخرة بتفاصيل هائلة، وهذا ما سوف يمثل دخلاً مالياً ضخماً لمصر في المستقبل. وأحياناً هناك اعتبارات أخرى لمشاريع وطنية تتقدم على الاعتبار المادي، خصوصاً ما يتعلق بالهوية والتأريخ والحضارة لأي أمة.

كانت ليلة هائلة الجمال، فاض فيها النيل عطراً ونغماً، وهو يحتضن حضارة آلاف السنين.

مبروك لمصر الحبيبة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد