خالد بن حمد المالك
منذ خمسين عاماً دُعيت ضمن من تمت دعوتهم إلى زيارة المغرب لحضور المسيرة الخضراء التي كان تنظيمها يرمز للتأكيد على أن الصحراء المغربية جزء من تراب الوطن المغربي، ولم ألب الدعوة حينها، لكني كلَّفت الزميل المغفور له إن شاء الله الأستاذ علوي طه الصافي الذي كان مسؤولاً عن القسم الثقافي بصحيفة الجزيرة لحضور المناسبة.
* *
ومنذ أيام كنت في مدينة العيون، عاصمة الصحراء المغربية، أزورها بالتزامن مع احتفالات المملكة المغربية بمرور خمسين عاماً على المسيرة الخضراء، وحضور اجتماعات اتحاد الصحافة العربية مع زملاء آخرين هناك، وكنت أود لو أنني زرت العيون منذ خمسين عاماً لأتعرف على الفوارق بين الماضي والحاضر، وعلى ما كانت عليه العيون وحالها اليوم.
* *
انعقد مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي، بالتزامن أيضاً مع ذكرى مرور خمسين عاماً على تلك المسيرة، وصوت لصالح خطة المغرب بمنح الصحراء المغربية حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية، باعتباره هو الحال الأكثر جدوى للصراع الدائر منذ خمسين عاماً، وهو ما وصفه ملك المغرب محمد السادس بأنه قرار يضبط الوقت للمغرب الموحد، بعد أن حان وقت المغرب الموحد، والمرحلة الفاصلة في تاريخه.
* *
هذا القرار التاريخي اعتمد على خطة كان قدمها المغرب إلى الأمم المتحدة منذ عام 2007م وتم تمرير القرار يوم الجمعة الماضي، مع أن روسيا والصين وباكستان أحجمت عن التصويت، فيما أن الجزائر لم تصوت، بينما صوت الأعضاء الـ11 عضواً لصالح القرار بناءً على الخطة المغربية، مع دعوة جميع الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات بناءة على خطة الحكم الذاتي التي اعتمدت على ما قدمته المملكة المغربية.
* *
ملك المغرب قال فور صدور القرار بأن بلاده تعيش مرحلة فاصلة في تاريخها، وأن تأكيد مجلس الأمن على مغربية الصحراء قرار تاريخي، وأن خطة المغرب لإنهاء الصراع هي الحل الوحيد الواقعي القابل للتطبيق بشأن الصحراء، ومع أن الملك اعتبر أن هذه التحولات بشأن الصحراء تعد انتصاراً للمغرب، إلا أنه سارع إلى التأكيد بأن بلاده لن تستغلها لتأجيج الخلافات، وأنه مع حل النزاع بالطرق السلمية.
* *
بهذا القرار، تكون جبهة البوليساريو قد فقدت أوراقها في السعي نحو الانفصال عن المغرب، وتكون الرباط في وضع أفضل للتعامل مع هذه القضية، فهي تستند إلى قرار من مجلس الأمن، وإلى مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية معتمداً على الخطة المغربية، وإلى تأييد الموقف المغربي من بعض الدول، وإلى اعترافات سابقة لصدور قرار مجلس الأمن من عدد من الدول الكبرى وبينها فرنسا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا.
* *
الصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة، وقد بدأ النزاع حولها مع انسحاب إسبانيا عام 1975م وشهدت حرباً بين عامي 1975 و1991م، وبينما يسيطر المغرب على 80 % من الإقليم، وفيها معظم المراكز الحضرية والموارد الطبيعية التي تقع تحت السيطرة المغربية، فإن جبهة البوليساريو لا تسيطر إلا على 20 % منه، وتحديداً على الأجزاء الشرقية من الصحراء، وكان يطلق عليها الصحراء الإسبانية خلال فترة الاستعمار.
* *
في زيارتي للعيون عاصمة الجزء الذي يقع تحت سلطة المملكة المغربية لاحظت تطوراً كبيراً في المدينة، ووقفت مع زملائي على كثير من المشاريع التي تم تنفيذها، ولاحظنا التوسع في إنشاء المستشفيات والمدارس والملاعب، والميادين، وتنظيم المدينة بشوارعها وأحيائها ومبانيها، وهناك رغم شح المياه التشجير، وضبط حركة المرور، وتوفير الأمن، ووصول الماء والكهرباء إلى كل بيت وموقع، وفيها مطار ومحافظ للمدينة.
* *
هذا القرار سوف يغير وجه الصحراء المغربية إلى ما هو أفضل، وسوف تنتهي فترة نصف قرن من الصراع الذي حال دون تقديم التنمية الشاملة والتطور لكل قرية ومدينة في هذا الجزء من الأراضي المغربية، وخاصة في الجزء الذي ظل خارج السلطة المغربية إلى اليوم، والمطلوب من كل الأطراف تنفيذ قرار مجلس الأمن من خلال الحوار الأخوي، والتفاهم على ما ينهي هذه الأزمة بروح من التعاون، وتحقيق مصلحة كل الأطراف.