صيغة الشمري
يعتبر فوز السعودية برئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (الإنتوساي)، محطة جديدة في مسار طويل من التحول المؤسسي الذي أعاد تعريف مفهوم الرقابة الحكومية في العالم. فالمملكة لم تعد متلقية للمعايير، بل صانعة لها، ولم تعد تكتفي بتطبيق مبادئ الحوكمة، إنما أصبحت تسهم في صياغة مستقبلها العالمي.
وبهذا الفوز يتوج الديوان العام للمحاسبة مسيرة امتدت لأكثر من قرن، منذ أن أرسى الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- مبدأ حفظ المال العام كأحد ركائز بناء الدولة، تواصل الاهتمام حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- ودعمها المستمر للقطاع المالي لتحقيق الريادة.
ويأتي تتويج المملكة برئاسة “الإنتوساي” في لحظة تشهد فيها الإدارة الحكومية السعودية نقلة نوعية، قوامها الشفافية والمساءلة وجودة الأداء، بما ينسجم مع مرتكزات رؤية السعودية 2030 التي جعلت من الحوكمة والفعالية المؤسسية طريقًا للتنمية المستدامة.
وأعتقد أن قيادة السعودية لمنظمة تضم أكثر من 195 دولة، يعكس ثقة عالمية نادرة في التجربة الوطنية بمجال الرقابة المالية، فالديوان العام للمحاسبة لم يحقق هذه المكانة صدفة، بل عبر استراتيجية تطوير شاملة شملت التحول الرقمي في عمليات المراجعة، وبناء القدرات البشرية، والمشاركة الفاعلة في وضع المعايير الدولية، إلى جانب مبادراته الداعمة للأجهزة النظيرة في الدول النامية، في صورة تعبّر عن مسؤولية السعودية تجاه العالم.
وعندما تستضيف الرياض في عام 2031 الجمعية العمومية للإنتوساي، سيجتمع العالم في عاصمة أصبحت عنوانًا للحوكمة الحديثة، وحينها -بالطبع- لن تُعرض التجارب النظرية فحسب، بل ستقدم قصة نجاح حقيقية لدولة جعلت من الشفافية ثقافة وطنية، ومن الرقابة وسيلة لحماية التنمية ودعمها.
وهنا يمكن القول إن فوز المملكة بهذا المنصب الدولي لا يعبر فقط عن ثقة المجتمع الدولي في كفاءة مؤسساتها، بل يؤكد أن الإصلاح المؤسسي عندما يبنى على رؤية وإرادة يصبح نموذجًا عالميًا يحتذى به.
ويمكننا أيضًا القول أن السعودية أصبحت رمزًا لعصر جديد في ميدان الرقابة والمحاسبة، تدار فيه الأموال العامة بعقلية المستقبل، وتقاس الكفاءة بمدى النزاهة، مما يؤكد أن رئاسة المملكة للإنتوساي ليست نهاية لمسار، بل بداية لمرحلة جديدة من الريادة السعودية في ترسيخ قيم الحوكمة على مستوى العالم.

