نجيب يماني
حينما يقف أيّ مسؤول، قُلّد شرف الثقة، وحُمّل أمانة التكليف، فنهض بها نهوض الواثق الحريص؛ ليسأل بالصوت الجهير، في مجمع دولي مهيب هل نحن نسير في الاتّجاه الصحيح؟!
فإنّ السؤال بهذه الجرأة يكتسب معنى مختلفاً، وأبعاداً تتجاوز متوقّعات الإجابة عليه، وينطوي فيما ينطوي على حرص فائق على الجودة، والأداء بأقصى ما يحتمله الجهد، ويقدّره العطاء، والعمل بمنهجيّة منضبطة تقتضي النّظر إلى النتائج والمترتبات والخلاصات مع كلّ مرحلة من مراحلها، والحساب بدقة محسوبة، والمراجعة على هدى الاستراتيجيات المرسومة بوعي وبصيرة، كلّ ذلك وغيره يتجلّى في مرآة السّؤال: «هل نحن نسير في الاتّجاه الصحيح؟!»
هكذا كان وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار»، رجلاً من رجال «الرؤية»، التي ترسم بوعي، وتنجز بفعالية، وتراجع بحكمة، محروسة الضفتين في انسيابها بالقدرة والإمكانات، ومحلّقة بجناحَي الثقة والحرص، ومنظورة بضميرٍ يقظٍ يتلمّس في كل خطوة مساره الوضيء متسائلاً: «هل نحن نسير في الاتّجاه الصحيح؟!»..
نعم أيها الأمير، نحن في الاتجاه الصحيح، منذ انبلاج فجر «الرؤية»، فإن قَصَرنا الحديث عنها فقط في المجال الاقتصادي، فلنا من الإنجازات وسطورها الكنيزة ما يملأ الدفاتر، ويحمل على الإعجاب والدهشة:
أليست هي «الرؤية» التي فجّرت كوامن إمكاناتنا، ورفعتنا مكاناً سنياً، ورفعت عنا الإصر والعوائق المكبّلات في كل جانب ومجال..؟!
أليست هي من خلّص اقتصادنا الذي ظلّ مرتهناً للنفط زمناً وردحاً طويلاً، وعشنا تحت رحمة تقلبات سوقه هبوطاً وصعوداً، فإذا اقتصادنا اليوم يفتح نوافذ كثيرة وجديدة لمصادر دخل غير النفط كانت مُعطلة، وظلّت هملاً قبل أن تنفض «الرؤية» عنها الركام، وتبعثها ضاجة بالناشط، مورقة بالعطاء، مساهمة في اقتصادنا، مغيرة نمط سلوكنا، وأسلوب عيشنا باتجاه يخص جودة الحياة؟
أليست هي «الرؤية» التي جعلتنا رقماً عصيّاً على التجاوز في معادلة الاقتصاد العالمي، وفي صدارة مجموعة العشرين العالمية، ذات الثقل والوزن المرجّح في عالم اليوم؟
ها هي «الرؤية» نفسها تستدعي رأس المال العالمي اليوم، في هذا المؤتمر الحاشد، والمبرق برسائل واعدة بالبشارة في بريد مستقبل الاقتصاد السعودي. فكم كانت إشاراته عميقة وذات دلالات موحية، لا شك سيفهمها من تلقّاها بوعي وبصيرة، في بارق قوله: «نحن نفهم ما سيطلبه الغد من الاحتياجات؛ فنحن مصدر يملك الموارد، ويتّسم بالكفاءة والموثوقية والالتزام».
بهذا تتحدد أطر العرض لاستقطاب الاستثمار الأمثل، بحقيقة ما يبحث عنه العالم كله، ويسعى لامتلاكه، ويبذل الغالي والنفيس من أجل تنويع مصادره وتقليب بدائله، فإذا المملكة حاضرة في ذلك بثقل المتصدّر، وثقة العارض المبشّر، فما أعظمها من كلمات محفّزة صاغها الأمير عبدالعزيز بقوله: «لدينا الطاقة التي نحتاجها. الطاقة الأكثر كفاءة وموثوقية واستدامة على وجه الأرض، اتحمّل كامل المسؤوليّة عن هذا القول؛ ليس فقط باسمي بل نيابة عن آلاف الرجال والنّساء السعوديين، الذين يبذلون جهودهم ووقتهم من أجل تحقيق ذلك. سنحقق ذلك».
ورفع الأمير الرهان إلى مستوى التحدي في هذا المجال بصادح القول نتبع نظاماً بسيطاً جداً قائماً على توليد الطاقة بالاعتماد على الشركات الوطنية الكبرى. مشروع نجران للطاقة الشمسية هو الثاني عالمياً من حيث التكلفة المنخفضة.
نقول لأصدقائنا الصينيين حول نقل وتوزيع الطاقة عليكم تطوير مشاريعكم وإلا ستصبح السعودية في المركز الأول. نعمل بمختلف مجالات الطاقة دون استثناء.
إن هذه الثلاثية الباهرة التي أعلنها الأمير عبدالعزيز حول الطاقة المتمثلة في الكفاءة والموثوقية والاستدامة، تجعل من خيار الاستثمار في السعودية الأكثر جذباً، والأوفر حظّاً في معادلات الربح والنمو، من واقع أن الاستدامة في الطاقة هي أساس نمو الاقتصاد الجديد وتطوّر الصناعات والخدمات، ويجب أن تكون التهيئة لها اليوم لمستقبل 2030 وما بعد ذلك.
وهذا عين ما طمأن به الأمير عبدالعزيز المؤتمرين، وبلغ صوته الآفاق لمن غاب واسترق السمع لهذا الوعد الباذخ من وزير الطاقة: «آمنوا بنا الآن، وسنرحّب بكم غداً. نحن ندعوكم في الحقيقة، وندعو العالم بأسره إلى الاستثمار معنا».
إنّ هذا المؤتمر الذي عشنا تفاصيل جلساته، وحجم التنادي العالمي لجلساته، يؤكد- فوق ما هو مؤكد- على عظمة قيادتنا الرشيدة، في ظل «الرؤية» المباركة، ولئن كان الأمير عبدالعزيز قد تمنّى أن يُجرى استطلاع وسط المواطنين السعوديين، لاستجلاء الإجابة الصريحة حول سؤال: «هل نحن نسير في الاتّجاه الصحيح؟!».
أسوة بما عرض في المؤتمر من استطلاع شبيه، فليطمئن الأمير، وليرفع من سقف التوقع بأعلى وأكثر مما توقّع بحصرها في حدود الـ(90%)، ولست بمزايد عليه إن رفعت النسبة إلى (99.99%)، وفي خاطري أنها (100%) لما ألمسه من قطاعات الشعب، وإحساس المواطنين جميعاً وشعورهم بحركة التطوّر والنمو التي يعيشونها في حاضرهم، ويتوسمونها في مستقبل مبشّر وواعد تتصاعد في أفقه العطاءات، وتأتلق في قواسمه الوضيئة كل البشارات..
فيا لسعد هذا الوطن المعطاء بقيادته الراشدة، ومسؤوليه الأفذاذ الذين يحاسبون أنفسهم على الملأ قبل أن يُسألوا، ويتلمّسون طريقهم على هدى الحرص، ودقيق الملاحظة، وباصر الحرص الشديد.

