أحمد محمد الشحي
يعيش السودان منذ اندلاع أزمته واحدةً من أكثر مراحله القاسية في تاريخه الحديث، حيث يتصارع طرفا النزاع على السلطة والنفوذ، وتعلو أصوات الأيديولوجيات والطائفية مع أصوات البنادق والرصاص، ويدفع المدنيون الثمن باهظاً، وما جرى في الفاشر خير مثال على ذلك، فهو شاهد مؤلم على المرحلة التي وصل إليها هذا الصراع، وما طغى على أطراف الصراع من تغليب الأيديولوجية والطائفية التي تعمي الأبصار والقلوب.
إن العقلاء يدركون أن ما يحصل في الفاشر هو نتيجة طغيان الأيديولوجيات والبحث عن السيادة، حيث يتحمل التنظيم الإخواني مسؤولية كبيرة في هذا الصراع، هذا التنظيم الذي يغذي الانقسام، ويستثمر معاناة الناس في معاركه السياسية، ويسعى للسيادة دون أن يبالي بما يخلفه ذلك من دمار وخراب.
وقد تعوَّد هذا التنظيم منذ نشوئه على إلقاء التهم جزافاً على الآخرين، لتبرير فشله وتحقيق مآربه، وهو ما يظهر في التنظيم الإخواني الذي يكيل لدولة الإمارات التهم اليوم، ويحملها جريرة ما تقوم به هي وأطراف النزاع في السودان من تناحر واقتتال، في الوقت الذي تدعو فيه دولة الإمارات ليل نهار في كل المحافل إلى إنهاء هذا الصراع المرير، وتجدد الدعوة إلى ذلك في كل مناسبة، وقد دعمت باستمرار الجهود الإقليمية والدولية التي تسعى للتوصل إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين في السودان، ودعت إلى محاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات التي ارتكبتها كافة الأطراف المتحاربة، دون انحياز لطرف أو آخر، مغلبة في ذلك مصلحة الشعب السوداني أولاً وآخراً.
ومع هذه النداءات المستمرة من دولة الإمارات، ومن كل عاقل حول العالم للأطراف المتحاربة لإنهاء الصراع بشكل فوري، إلا أنه لا حياة لمن تنادي، فلا يزال الصراع متأججاً، ولا تزال الانتهاكات مستمرة، والمعاناة الإنسانية متصاعدة، فيما يصر التنظيم الإخواني على تأجيج هذا الصراع من ناحية، فما جرى في الفاشر وغيرها لم يكن ليحدث لولا استمرار هذا التمترس الأيديولوجي والطائفي، ومن ناحية أخرى، يسعى هذا التنظيم إلى تضليل الرأي العام، وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، بتشويه دولة الإمارات، بتزييف الحقائق، واختلاق الأكاذيب، ونشر المقاطع المفبركة وغيرها.
إن هؤلاء يحاولون أن يغطوا الشمس بغربال، فيتجاهلون حقيقة دولة الإمارات، حقيقتها كدولة ملهمة وفاعلة في نشر السلام، حقيقة جهودها الدبلوماسية المستمرة إقليمياً ودولياً لوقف هذه الحرب المريرة بشتى الوسائل، حقيقة دورها الإنساني المشهود في تقديم المساعدات الإنسانية، هذه الحقيقة الناصعة المشرقة كالشمس في رابعة النهار، ولا يشك منصف أن الإمارات لم تكن يوماً طرفاً في النزاع، ولم تسهم بأي شكل في تأجيجه، بل كانت دائماً داعية لإنهاء هذا الصراع، وحاضرةً لإغاثة المدنيين المتضررين، وما يحاول التنظيم الإخواني اليوم من تشويه صورة دولة الإمارات، ليس سوى مجرد محاولة فاشلة لتغطية إخفاقاته السياسية وأيديولوجياته المتطرفة، وأما دولة الإمارات فمواقفها ثابتة في التمسك بالسلام كخيار استراتيجي وضروري لا غنى عنه.
لقد زرعت جماعة «الإخوان» ومن يدور في فلكها منذ عقودٍ بذور الانقسام في السودان، واستبدلت مفهوم الدولة بمفهوم الجماعة، فأضعفت المؤسسات، وخلخلت الولاء الوطني، ودفعت بالكثيرين إلى صراعات عبثية لا رابح فيها، وعندما اشتعلت نار الفتنة لجأوا إلى أسهل الطرق، وهي اتهام الآخرين لصرف الأنظار عن جوهر المشكلة.
إن عواصف الإعلام المضلل التي تصدر منهم ليست سوى زوبعة في فنجان، وهي تنبئ عن انعدام القيم الأخلاقية لديهم، إذ يستغلون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأكاذيب، ويوظفون الذكاء الاصطناعي بطرق لا أخلاقية، فيستخدمونها في فبركة المقاطع، وتزوير الحقائق، واختلاق الأكاذيب، في غياب تام لأي وازع أخلاقي أو إنساني.
إن من يعرف دولة الإمارات، يعرف أنها لا تتعامل مع الأزمات بمنطق الصراع، بل بالحوار والعلاج والحكمة، ومواقفها في ذلك واضحة مشهودة، وسياساتها ثابتة، فالسلام في عرفها خيار استراتيجي، والتعاون الإنساني واجب أخلاقي، وتقديم الدعم والمساندة للأشقاء والأصدقاء نهج مستدام، وهي ثوابت مستدامة لا تتغير بتغير الظروف والأحوال، ولذلك فإن من واجب العقلاء في السودان وغيرها ألا ينساقوا خلف دعايات تفتقد المصداقية والأخلاق.
إن الخاسر في أزمة الفاشر هي الأطراف المتناحرة، التي تحرق نفسها باستمرارها في الصراع والتناحر، والتنظيمات الأيديولوجية التي تجعل البحث عن سيادتها فوق أي مصلحة وطنية، والمتضرر من ذلك كله هو الشعب السوداني، الذي يدفع ثمن هذا الانقسام والصراع.
إن دولة الإمارات ستبقى على الدوام صانعة سلام، وبانية أمن واستقرار ووئام، فإن هذا نهجها، وهذه رؤيتها منذ انبثاق فجرها الساطع، مهما ادعى الكاذبون، فالكلاب تنبح، والقافلة تسير.

