أحمد المغلوث
منذ كنا صغاراً ونحن نتحلق كباراً وصغاراً حول الراديو لنستمع لأخبار العالم وما يدور فيه من أخبار خاصة الأخبار التي كانت تعنينا كعرب ومسلمين وما يحدث في فلسطين من احتلال إسرائيل لها، بل تهجير أهلها وتشردهم واغتصاب أراضيهم وكل رئيس وزراء إسرائيلي يسعى جاهداً لتحقيق أجندته وكل من يأتي بعده يسير نفس المسار، بل يحاول جاهداً خفية أو في العلن الزحف والتقدم «لبلع» المزيد من أراضي فلسطين باستخدام القوة وفرض الأمر الواقع ومع مرور العقود أصبح الكيان المحتل أكثر شراسة وقوة وبالطبع مع تطور تقنية الأسلحة وبدعم معروف من الدولة التي تقف خلفه أصبح هذا الكيان أكثر قوة وشراسة مما كان عليه في أي وقت مضى، وبالتالي فهو لا يرى حدوداً أو سدوداً أمامه، إنه يحلم أن كيانه لا حدود له، فكل عقد من الزمن تجده يتمدد ويتوعد ويبني ويتطلع لفضاء فسيح لا حدود له، وها هو اليوم نتنياهو بات يقولها بصراحة إن إسرائيل الكبرى سوف يسعى لتحقيقها.. ويبدو أنه قال ذلك متبجحاً ومستعرضاً لعضلات لسانه المشبعة بالحقد المتوارث في هذا الكيان المستبد والذي لم يشبع من مشاهد التدمير والتفجير والتهجير والأطفال وأجسادهم التي تحولت لهياكل عظمية، وإذا كان صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل وضع النقاط على الحروف بصراحة لا يقولها إلا من خبر الأحداث مبكراً من خلال مواقع عمله فكانت كلماته واجباته مشبعة بالحجة الدامغة مما جعل حديثه أشبه بضوء مبهر كشف حقيقة أحلام سفاح إسرائيل الذي كان يتلذذ ليل نهار وهو يشاهد هذا المبنى ينهار على ساكنيه من أبناء غزة أو القصف المستمر على الخيام، ومع هذا وأكثر من هذا يتوالى القصف ويستمر الموت ليحصد أبناء غزة بالعشرات، بل المئات يومياً ليستمر مسلسل الموت في غزة على عينك يا عالم وبمباركة نتنياهو الذي يحلم بإسرائيل الكبرى، وكما أشرت في البداية ونحن أطفال وفتية وكبار نسمع وحتى نقرأ عن هذا الكيان المغتصب بعد وعد بلفور المشؤوم وهو يواصل مسلسل الموت بدون رحمة أو مشاعر إنسانية وبدون احترام أو تقدير لما تتخذه الأمم المتحدة التي بات ومنذ البدء لا يضع لقراراتها أي اعتبار أو احترام أو تقدير، بل إنه يرميها وجها لوجه على جدران قاعة الأمم المتحدة، بل باتت وسائله الإعلامية ومنذ بداية الاحتلال تسيطر بقوة ومن خلال دعم الأوساط الامبريالية المختلفة التي يسيطر عليها وبالتالي توظيفها في خدمة أهدافه المختلفة المكشوفة والخية ومن خلالها راح بشن حملات ظالمة ومكثفة ضد كل من يعارض أجنداته ومصالحه يضاف إلى ذلك ولا أحد ينكر وقوف أمريكا خلفه مساندةً وداعمة لهذا الكيان بقوة، بل كان دعمه ومنذ البداية مستمراً حتى هذه اللحظة ولا حول ولا قوة إلا بالله. إسرائيل من دون أي تحامل هي كيان محتل وغاشم، فمنذ تاريخ ظهوره تنفيذاً لوعد بلفور وهو يقترف الجرائم والمجازر، ويتجاوز القانون الدولي ويضرب بكل القيم الأخلاقية والإنسانية عرض الحائط، بل إنه كيان مهووس بتصفية الشعب الفلسطيني؛ كي يهنأ بالأراضي الفلسطينية كاملة وأكثر من ذلك.
هكذا هي إسرائيل ولكن هذا الكيان الذي أصاب ضمير العالم في مقتل هو نفسه الذي - مع الأسف الشديد - نشاهد تشبثه بوهمه وحلمه المزعوم المتمثل في إقامة «إسرائيل الكبرى». نشاهد تمسُّكه بكذبة تاريخية ونحن في المقابل رغم امتلاكنا الحق التاريخي، فإننا فعلنا كل ما يؤدي إلى التفريط فيه، وهكذا نفهم كيف أنه حتى الأكذوبة والوهم يعيشان أطول زمن عندما يجدان من يتمسَّك بهما.
هذا هو التعليق السريع الذي بدا لنا مناسباً لتصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يكشف عن حلمِه بإقامة «إسرائيل الكبرى» في اللحظة التي يمزّق فيها الجوع أمعاء أهل غزة، وتتواتر علينا صور الأطفال الذين أصبحوا عبارة عن هياكل عظمية من شدَّة الجوع وسوء التغذية.
لنتذكر جيداً أن الوضع في غزة مأساوي جداً إنسانياً، ومن فرط المأساوية والإحراج العالمي رأينا كيف أن دولاً هددت بالاعتراف بفلسطين وأخرى اعترفت بها، وهو أمرٌ لم يكن سهلاً لولا أن التجويع القاتل الذي تمارسه إسرائيل ضد أهالي غزة وأطفالها لم يترك أي مجال للمناورة والصَّمت سياسياً.
وكي يحوِّل وجهة الرأي العام إلى موضوع آخر؛ انخرط نتنياهو في خطاب البوح بحلمه التاريخي والروحي، مطلقاً عبارة «إسرائيل الكبرى» أسلوب يهدف إلى تلهية العالم لينسى الصورة المعدّة بالذكاء الاصطناعي المنتشرة حول شخصه وهو يسبح في دم الفلسطينيين.
فعلاً، لا شيء جديداً في هذا الخطاب الذي أدار الأعناق التي كانت لافتة للجائعين ولتعنت إسرائيل في السماح للمساعدات الدولية الإنسانية بالوصول إلى أهالي غزة. ذلك أنَّ «إسرائيل الكبرى» هي «أرض الميعاد» التي اعتمدها الخطاب التاريخي الإسرائيلي. فالاثنان واحد في الحلم والأكذوبة والحدود والخريطة والجغرافيا والوهم فقط، سياسياً عبارة «إسرائيل الكبرى» مناسبة أكثر من «أرض الميعاد» ذات المرجعية اللغوية الروحية التاريخية وفق المزاعم الإسرائيلية. هذا علاوة على أن عبارة «إسرائيل الكبرى» قد سبق استعمالها في عام 1967م.