التراشق السياسي والإعلامي حول قرار حصر السلاح في لبنان لا يحجب حجم وشراسة المعركة الدبلوماسية الصامتة التي تخوضها بيروت في المحافل الدولية لتجديد مهمة قوات حفظ السلام الدولية "يونيفيل" في جنوب لبنان.
وفقًا للمعلومات، فإن عقبتين اثنتين تقفان أمام التمديد لـ"يونيفيل"، التي حطّت رحالها في جنوب لبنان عام 1978. الأولى مالية، إذ قررت الولايات المتحدة حجب مساعداتها المالية لمنظمات الأمم المتحدة، بما فيها قوات "يونيفيل"، وهي تشكل نحو 26 بالمئة من تكاليف القوة البالغ عددها نحو 10 آلاف عسكري، أُوكلت لها مهمة حفظ السلام على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.
أما العقبة الثانية، وقد تكون الأهم، فوفقًا للمعلومات، فإن القوة الدولية قد تكون واحدة من ضحايا "تسونامي طوفان الأقصى" الذي أطلقه يحيى السنوار، فما بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 ليس كما قبله على كل المستويات السياسية والأمنية.
مع نهاية شهر آب (أغسطس) الجاري، تنتهي رسميًا مهمة القوة الدولية، في حال لم يتم التوافق على التجديد لها في مجلس الأمن. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقود التحرك اللبناني للحصول على "النعم" الدولية، ولا تُخفي السلطة اللبنانية أهمية دور هذه القوة في مساندة الجيش جنوبًا، في ظل أجواء تزداد تعقيدًا وحساسية. وجاء في رسالة الحكومة اللبنانية إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن "وجود اليونيفيل أمر جوهري، وهو ليس رمزًا للتضامن الدولي فحسب، بل مصدرٌ للأمان والاستقرار في جنوب لبنان".
في المقابل، تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة لإنهاء مهمة "القبعات الزرقاء"، مستفيدة من منطق القوة الذي فرضته، ليس في جنوب لبنان فحسب، إنما في الإقليم ككل. وتدفع حكومة بنيامين نتانياهو بذريعة أن "اليونيفيل" لم تقم بالدور المناط بها، واتخذت موقف المتفرج على "عملية الإسناد" التي أطلقها "حزب الله" دعمًا لـ"طوفان الأقصى".
لبنان، القابع على بركان التحديات الداخلية والإقليمية، يخوض معركة الحفاظ على رمزية الدعم الدولي، في ظل استمرار مسلسل الاعتداءات الإسرائيلية، فيما تسعى حكومة نتانياهو إلى استثمار تفوقها العسكري وترجمة المتغيرات الجيوسياسية لمصلحة "إسرائيل العظمى".
وفي تقدير الأوساط السياسية المطلعة، فإن لبنان أمام ثلاثة سيناريوهات:
• الأول: عدم التجديد لـ"اليونيفيل"، ما يعني نجاح إسرائيل في إقناع واشنطن بإشهار سلاح الفيتو في مجلس الأمن. ويفترض هنا البحث عن آلية لتعزيز قدرات الجيش اللبناني على كافة المستويات.
• الثاني: التجديد لقوات حفظ السلام الدولية، مع تعزيز وضعها العسكري ودورها الجغرافي في إسناد الجيش اللبناني لحفظ الأمن والاستقرار.
• أما السيناريو الثالث، فيتمثل في حال عدم التجديد لـ"اليونيفيل"، بأن تتبنى الولايات المتحدة عملية توسيع صلاحيات ومهام "لجنة وقف إطلاق النار" بين لبنان وإسرائيل، برئاسة الجنرال الأميركي مايكل جي. ليني، المقيم في عوكر شمالي بيروت، في واحدة من أهم وأكبر السفارات الأميركية في العالم. وبذلك، يكون لبنان قد خرج عمليًا من رمزية التواجد الدولي إلى دائرة الاهتمام الأميركي السياسي... والعسكري.