: آخر تحديث

مذبحة دير ياسين الجديدة!

3
3
3

في التاسع من أبريل 1948 وقعت مذبحة دير ياسين على يد عصابات صهيونية بقيادة مناحيم بيغن، الذي سيصبح لاحقًا رئيسًا لوزراء إسرائيل ويحصل على جائزة نوبل للسلام. لم تكن تلك الجريمة عابرة أو ردّ فعل أو دفاعًا عن النفس، بل كانت جريمة مخططة لإفراغ القرى الفلسطينية من أهلها، وإجبارهم على النزوح، وإفساح الأرض لولادة كيان جديد.. وكيف تشرح لقروي بسيط في ذلك الوقت أن مأساته لن تنتهي قريبًا، وأن الأمم قد تآمرت وقررت اقتلاعه لتزرع مكانه عصابات ستتقاطر من شتى دول العالم؟

بعد سبعة وسبعين عامًا تتجدد الفاجعة في غزة بوجهٍ أشد قسوة وأعلى تقنية، وعلى الهواء مباشرة. مدينة محاصرة تُقصف، وجثث تُنتشل من تحت الركام، وصمت دولي لا يُصدّق.. وصحف تكتب إنها حرب على “الإرهاب”، بينما ما تراه العين المجرّدة هو عقاب جماعي وتدمير شامل للبشر والحجر.. إرهاب تجاوز ادعاء الدفاع عن النفس أو معاقبة مرتكبي السابع من أكتوبر، وأصبح عملية إبادة جماعية ممنهجة.. وكأنه توطئة لميلاد واقع جديد!

وبين دير ياسين وغزة سقطت قرى ومدن، وتبدلت أسماء الجنرالات والساسة، لكن ثابتًا بقي: كلما اختلف العرب تجرأت يد القاتل.. على شعب أعزل وُلد محاصرًا، ولم يملك يومًا رفاهية اختيار مدينة أخرى أو دولة أخرى. شعب يواجه إرهاب الجيش الإسرائيلي، بينما المؤسسات الدولية التي وُجدت لمنع تكرار المذابح مثقلة بالعجز أو خاضعة لازدواجية المعايير، في الوقت الذي تُستهدف فيه مقار الإغاثة ومراكز إيواء اللاجئين، ويُقتل الصحافيون في الميدان، وحتى المعونات الإنسانية تُستخدم كأداة تفاوض أو طُعم للقتل.

وفي مواجهة هذه الجريمة لا تكفي خطابات الغضب ولا صور التضامن المكررة؛ بل يلزم فعل عربي منسق يربط السياسي بالإنساني، والاقتصادي بالقانوني، ويتعلم من الماضي. لدينا في العالم العربي ما هو أكثر من العاطفة: لدينا القدرة على بناء كتلة ضغط حقيقية تبدأ بتوحيد الموقف حول حد أدنى واضح؛ وقف القتل، فتح الممرات الإنسانية الدائمة، إطلاق مسار ملزم للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتجريم أي محاولات للتهجير أو التفاوض المنفرد.. ذلك يحتاج قرارًا عربيًا صلبًا، ومخاطبةً للعواصم المؤثرة بلغة المصالح لا الاستجداء، وحين تتكلم العواصم العربية والإسلامية بصوت واحد يصبح الصمت الدولي مكلفًا، والتواطؤ عارًا لا يمكن تجميله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد