عماد الدين حسين
هل الحرب التجارية الضارية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الصين هدفها وقف التفوق الصيني اقتصادياً، أم أن الأمر هدفه سياسي أيضاً، ويتعلق باستغلال سلاح الرسوم الجمركية لمحاصرة الصين وعزلها على الساحة العالمية؟
قد يجادل آخرون ويقولون إن الحرب الأمريكية ضد الصين شاملة، وليست فقط مرتبطة بترامب، بل هي سياسة أمريكية عامة ضد الصين، وهدفها منع تقدم الصين سواء سياسياً أو اقتصادياً.
من يتابع العلاقات الأمريكية الصينية سيدرك أنها اتخذت طابع الصراع شبه الشامل باستثناء المواجهة العسكرية. وربما يكون الفارق بين رئيس أمريكي وآخر يكمن فقط في الدرجة والطريقة، وليس الهدف.
وعلى ذمة صحيفة «وول ستريت جورنال» فإن واشنطن تسعى لإقناع أكثر من ٧٠ دولة بعدم المتاجرة مع الصين، ومنع الشركات الصينية من التواجد على أراضيها أو استخدامها كنقاط عبور لبضائعها.
وتسعى واشنطن أيضاً لإقناع هذه الدول بعدم استيراد البضائع الصينية رخيصة الثمن، وفي المقابل تخفض واشنطن الرسوم الجمركية على أي دولة تنفذ هذه السياسة.
صاحب هذه الفكرة هو وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، والهدف هو إضعاف الاقتصاد الصيني وعزله وإجبار بكين على تقديم تنازلات. والمعروف أن هناك قانوناً أمريكياً يسمى «التوسع التجاري» صدر عام ١٩٦٢ .
ويمنح أمريكا الحق في فرض قيود على الواردات التي قد تشكل تهديداً للأمن القومى والإقليمي ويمنح الإدارة القدرة على تبرير فرض رسوم جمركية لحماية الصناعات المحلية وتعزيز استقلالية الاقتصاد الأمريكي في مواجهة المنافسة الدولية. والملاحظ أن الولايات المتحدة تستخدم الرسوم الجمركية كأداة لتنظيم التجارة الدولية من وجهة نظرها بالطبع.
وبالتالي فهي تؤثر في حركة الأسواق العالمية وتغيير أنماط التجارة بين الدول مما قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية طويلة المدى، وتهدف الولايات المتحدة عبر هذه الأسلحة والأدوات الاقتصادية إلى استمرار تفوقها الشامل وعرقلة تقدم وصعود منافسيها بكل الطرق الممكنة. هذا ما يفعله دونالد ترامب مع الصين الآن.
لكن بالعودة قليلاً إلى الوراء قد نكتشف أن هذه سياسة أمريكية ثابتة، والفارق ربما أن ترامب قفز بالصراع مع الصين إلى درجة غير مسبوقة حينما قرر رفع الرسوم الجمركية على الصين بنسبة ٢٤٥٪، مقابل ١٠٪ فقط على بقية دول العالم، وقرر تجميدها لمدة ٩٠ يوماً مع استمرار الرسوم على الصين.
نعلم أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أوائل التسعينيات وتفكك منظومة الكتلة الشرقية وحلف وارسو صارت أمريكا القطب الواحد ثم بدأت الولايات المتحدة تستيقظ على كابوس جديد.
وهو الصعود الصيني الاقتصادي المستمر، للدرجة التي جعلت كثيرين يعتقدون أن الصين قد تتخطى أمريكا اقتصادياً بعد ٢٠٣٠، علماً أن أمريكا لا تزال أقوى دول العالم اقتصادياً بـ٢٧٫٧ تريليون دولار كناتح محلي إجمالي، مقابل ١٧٫٧ تريليون دولار للصين. لكن معدل نمو الأخيرة أكثر تسارعاً من الولايات المتحدة.
وبسبب «الفوبيا الأمريكية» من احتمال صعود الصين وتخطيها للولايات المتحدة؛ فإن الأخيرة قررت أن تطارد كل ما هو صيني في كل مكان، وليس فقط في المجال الاقتصادي.
رأينا الولايات المتحدة تحارب أي تواجد صيني في أي مكان بالعالم. وهكذا سعت مثلاً إلى محاولة منع الصين من بناء قواعد عسكرية على ساحل المحيط الأطلنطي في غرب أفريقيا، وضغطت بكل قوة على بنما لقطع كل العلاقات الاقتصادية مع الصين، وإلغاء الاتفاقيات الاقتصادية بينهما.
ونعلم أيضاً أن الولايات المتحدة بذلت جهوداً مضنية لإقناع أو إجبار أكبر عدد من الدول على عدم الاستعانة بشبكات الجيل الخامس الصينية، بحجة أنها يمكن أن تستخدم في اختراق صيني للأمن القومي لهذه الدول.
وقد نجحت أمريكا بالفعل في إقناع دول كبرى بالتخلي عن تكنولوجيا شركة هوواي الصينية، بل قامت كندا قبل سنوات بالقبض على ابنة مؤسس شركة هوواي باتهامات مختلفة. الولايات المتحدة ضغطت أيضاً على الصين لبيع فرع تطبيق «تيك توك» في أمريكا لشريك أمريكي حتى لا يتم حظر التطبيق بالكامل.
ولا ننسى أن أهم محاولة أمريكية في هذا الصدد هي «الممر الاقتصادي» الذي يبدأ من الهند ويمر بالمحيط الهندي إلى إسرائيل ثم للبحر المتوسط وأوروبا والولايات المتحدة. ونعلم أن هذا المشروع إذا تم قد يؤثر إلى حد كبير في المبادرة الصينية الحزام والطريق أو إعادة إحياء «طريق الحرير».
إذن الصراع الأمريكي الصيني طويل ومستمر وهو لا يتوقف فقط على المجال الاقتصادي، لأنه ببساطة لو تمكنت الصين من احتلال المركز الأول اقتصادياً، فالمؤكد أنها ستسعى بعد ذلك إلى البحث عن الصدارة السياسية والعسكرية والتكنولوجية.
والخلاصة أن العالم سوف يشهد من الآن فصاعداً العديد من فصول الصراع الأمريكي الصيني الذي قد يهدأ حيناً، لكنه يثور أحياناً كثيرة.