عندما نتحدث عن تغيير سلوكنا، غالباً ما يكون تركيزنا على الإرادة الشخصية أو قوة العزيمة، لكن ما يغفل الناس عنه، في كثير من الأحيان، هو أثر البيئة المحيطة بنا، والتي تعتبر مؤثراً قوياً في تشكيل قراراتنا وقناعاتنا.مجلة Nature Food نشرت عام 2020 دراسة عن تجربة ميدانية أجرتها الباحثة الدكتورة إيما غارنيت، وزملاؤها من جامعة كامبريدج في مقاصف جامعية، شملت أكثر من 105,000 اختيار وجبة. قام الباحثون بتغيير ترتيب عرض الأطعمة، وقاموا بوضع الخيارات النباتية (الأطعمة الصحية) أولاً بالقرب من مكان الدخول، بينما الخيارات الأقل صحية في مواقع أبعد. أظهرت النتائج زيادة في مبيعات الوجبات النباتية الأكثر صحية بنحو 39.7% مقارنة بوضعها في المرتبة الثانية، وذلك دون استخدام أي تعليمات مباشرة لنصح الطلاب مثلاً أو توجيههم. زاد استهلاك الطلاب للأطعمة الصحية بنسبة ملحوظة، كان التغيير بسيطاً في البيئة والمكان، لكن أثره كان عميقاً جداً في سلوك الطلاب.هذا النوع من التأثير معروف في علم السلوك ب«التوجيه غير المباشر» أو Nudge، وهو أمر ناجح وقوي جداً. التوجيه غير المباشر هو أن يتم تصميم البيئة بطريقة تشجع الناس على اتخاذ قرارات أفضل دون إكراه أو ضغط. وهو ما نراه مثلاً في وضع سلة المهملات بالقرب من أبواب الأماكن العامة مثلاً لتقليل رمي النفايات في الشوارع، أو في استخدام الموسيقى الهادئة في المطاعم لتشجيع الزبائن على الأكل ببطء، والكثير من الأمثلة التي تستخدمها الشركات الكبرى لأغراض تجارية. لكن الأمر لا ينحصر في الجانب التجاري، بل يشمل الجانب الاجتماعي، فالأشخاص الذين نحيط أنفسنا بهم، وطبيعة الحديث الذي نجريه مع الناس حولنا كل يوم، من العوامل التي تترك أثراً كبيراً في طريقة تفكيرنا. لذلك، يعتبر الوجود في بيئة مشجعة ومحفزة باعثاً أكثر على الإنتاجية والتفاؤل.البيئة لا تصنع الإنسان بالكامل، لكنها تشكّله بصمت يوماً بعد يوم، وتؤثر في سلوكياته، لذلك، إذا أردنا تغييراً فعلياً في حياتنا فقد يكون من الذكاء أن نبدأ من الخارج قبل أن نحاسب الداخل، لأن العقل مهما كان قوياً وذا مبادئ يظل تابعاً للمكان الذي ينمو فيه. www.shaimaalmarzooqi.com
اختيار المكان يغير حياتك
مواضيع ذات صلة