خيرالله خيرالله
ثمة نكهة خاصة هذه السنة لـ«عيد العرش» في المغرب، ذكرى اعتلاء الملك محمّد السادس للعرش يوم 30 يوليو 1999. إنّها ذكرى تحتفل بها المملكة للمرّة الـ26.
يعطي للذكرى الـ26 نكهة خاصة، أن 2025 هي سنة مرور نصف قرن على «المسيرة الخضراء» التي سمحت للمغرب باستعادة أقاليمه الصحراويّة بطريقة سلميّة بمجرد انسحاب الاستعمار الإسباني منها.
أنزل حينذاك العلم الإسباني في العيون، عاصمة الأقاليم الصحراويّة، ورفع العلم المغربي. اندفع يوم السادس من نوفمبر 1975 عشرات آلاف المغاربة من أجل تكريس عودة الأقاليم الصحراوية إلى الوطن الأمّ.
شارك ما يزيد على 350 ألف مغربي في استعادة الأقاليم الصحراويّة في ما يمكن وصفه بمرحلة من النضال الطويل بدأها الراحل الحسن الثاني واستكملها محمّد السادس.
يستطيع ملك المغرب أن يفخر بأنّّه هيّأ في الأعوام الـ26 من حكمه المسرح لاعتراف العالم بحقوق المغرب في أقاليمه رغم حرب الاستنزاف التي يتعرّض لها من قبل من يحاول تحويل الصحراء المغربية إلى منطقة نفوذ، يعمّها البؤس والتخلّف.
كلّما مرّ يوم، يتبيّن أن قضية الصحراء لم تكن من الأصل سوى قضيّة مفتعلة تستهدف حرمان المغرب من وحدته الترابيّة. نجح المغرب بقيادة الراحل الحسن الثاني وخليفته محمّد السادس في تحقيق انتصار كبير عبر سلسلة من الخطوات الجريئة.
كانت آخر الخطوات تحوّل البرتغال، قبل أيام، إلى الاعتراف بأن خطة الحكم الذاتي الموسّع التي طرحها المغرب هي «الأكثر جدّية وصدقيّة» لتسوية النزاع.
تعترف البرتغال أخيراً بواقع سياسي لم يعد من مجال للهرب منه. قبل البرتغال، كانت إسبانيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا ودول أوروبيّة أخرى ودول أفريقيّة. لكنّ الأهم من ذلك كلّه كان الموقف الأميركي الذي اتخذته الإدارة الأولى للرئيس دونالد ترامب التي اعترفت بمغربيّة الصحراء قبل نحو خمس سنوات.
جاء في نص الاعتراف الأميركي أن «الولايات المتحدة، كما ذكرت الإدارات السابقة، تؤكد دعمها لاقتراح المغرب للحكم الذاتي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع على أراضي الصحراء الغربية».
أضاف البيت الأبيض أنه «اعتباراً من اليوم، تعترف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على كامل أراضي الصحراء الغربية وتعيد تأكيد دعمها لاقتراح المغرب الجاد والموثوق به والواقعي للحكم الذاتي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع على أراضي الصحراء (المغربية)».
يمكن الحديث عن عوامل عدة ساهمت في تحقيق الانتصار المغربي في قضية الصحراء. قبل كلّ شيء كانت «المسيرة الخضراء». كانت المسيرة تلك نتاج عبقرية الحسن الثاني الذي عرف أهمّية استغلال اللحظة السياسية، إقليمياً ودولياً، وجعل هذه اللحظة في خدمة المغرب.
كان الحسن الثاني يدرك في العام 1975 أن إسبانيا مقبلة على تحولات مرحلة ما بعد الجنرال فرنكو. جاء رهانه على الملك خوان كارلوس، الذي استعاد العرش مع وفاة فرنكو، رهاناً في محلّه.
انسحب الاستعمار الإسباني من الصحراء ورفع فيها العَلم المغربي... وكانت «المسيرة الخضراء» ثم جاءت المعارك العسكرية الخاسرة باستخدام «جبهة بوليساريو».
عملياً، ربح المغرب حرب الصحراء عسكرياً بعدما أقام الجدار الذي حماها من الهجمات. عندما زار الحسن الثاني الصحراء للمرة الأولى في مارس 1985، كانت زيارته طيّا لمرحلة وبداية للعمل السياسي الذي لقي في مرحلة لاحقة دعماً عربيّاً.
توّج هذا الدعم بيان مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة الذي أكد «مغربيّة الصحراء» في وقت حقّق المغرب إختراقات إفريقية متلاحقة قادها محمّد السادس الذي جال في كلّ أنحاء القارة السمراء... وصولاً إلى جزيرة مدغشقر.
يحصل الآن أنّ المغرب بقيادة محمّد السادس بنى على مبادرة الحكم الذاتي الموسّع التي طرحها في ابريل 2007. عرف العاهل المغربي كيف يخاطب العالم ويكسب ودّه.
في 2025، يبدو المغرب في موقع قوّة لا يعبّر عنها أكثر من ثقة المجتمع الدولي به. سيستضيف المغرب، مع اسبانيا والبرتغال، في 2030 دورة كأس العالم لكرة القدم. إنّه جزء من أوروبا وجزء من أفريقيا.
لم يعد السائح الذي يصل إلى المغرب من إسبانيا يجد فارقاً في البنية التحتيّة بين البلدين. أكثر من ذلك، فرض المغرب نفسه ممرّاً إلى أفريقيا، خصوصاً بعدما أقام علاقة متميّزة مع معظم دول القارة السمراء حيث عمل على نشر الإسلام الحقيقي، أي نشر ثقافة الاعتدال والتسامح.
استطاع المغرب إيجاد تكامل بينه وبين الدول الأفريقية. تكفي الإشارة في هذا المجال إلى توظيف ثروة الفوسفات التي يمتلكها لإنتاج أسمدة تحتاج إليها الزراعة في أفريقيا.
يظلّ السؤال الذي يفرض نفسه في نهاية المطاف، ما سرّ المغرب؟ لماذا نجح كلّ هذا النجاح على صعيد قضيته الوطنية الأولى، قضية الصحراء؟
الجواب في أن المغرب بلد متصالح مع نفسه أولاً وأخيراً. هناك علاقة عضوية بين الملك والشعب وهناك بلد يمتلك مؤسسات راسخة عمرها مئات السنوات.
هناك بلد لا مكان فيه للشعارات الفارغة والمتاجرة بها. استطاع المغرب تطوير نفسه وتحويل الصحراء، ميناء الداخلة على وجه الخصوص، إلى قصّة نجاح. إنّه نجاح التحول إلى واجهة أفريقيا على المحيط الأطلسي.
على كلّ من يحتاج إلى تأكيد على ذلك زيارة المملكة ومشاهدة التطور الذي تشهده المملكة، أكان ذلك في المدن الكبرى أو في الأرياف. الواقع يكذّب الأوهام في عالم لا شيء ينجح فيه مثل النجاح...