: آخر تحديث

زياد الذي غادر.. وبقي

10
8
7

أحببت زياد الرحباني، الإنسان والفنان، لأنه أولاً الابن البكر لفيروز، وثانياً لأنه مثّل الجانب الثقافي والفكري من الرحابنة، الذين اختاروا غالباً عدم الحديث عن حياتهم الشخصية، ومن هذه الزاوية تعرّفت على حقيقة شخصية زياد الذكية والمبدعة، وأمس (السبت)، 26 يوليو، فقدنا فناناً وملحناً ومسرحياً وكاتباً قلّ نظيره، واقترب كثيراً بفنه ومسرحياته السياسية الناقدة إلى عقول وقلوب محبيه، العرب قبل اللبنانيين، فقد كان حزيناً بعمق، وساخراً بعمق، ومتميزاً بأعماله بعمق أكبر، لكن يساريته، التي لم يحاول يوماً إخفاءها، أبعدته عن الكثيرين، لكنه لم يكن يبالي كثيراً بآراء خصومه فيه.

ولد زياد في أول يوم من عام 1956، وهي السنة التي وطئت فيها أقدامي أرض لبنان لأول مرة، وتوفي أمس عن 69 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض. وكانت حياته الأسرية والاجتماعية سلسلة من الخلافات، وربما وصلت أحياناً إلى الصراعات مع أقرب الناس إليه، كما كان اجتماعياً، ربما بسبب ضغوط الإبداع، التي لا تجعله يهدأ ولو قليلاً، غير سعيد، بسبب كل معاناته التي ربما دفعته لأن يخرج كل طاقات الإبداع بداخله، وستبقى خالدة لعشرات السنين، إن لم تكن للأبد، فقد كان دائماً شخصية مثيرة للجدل، سواء في حياته، أو من خلال ألحانه ومسرحياته وأقواله وأشعاره.

كان من الممكن جداً أن يكون زياد شاعراً، ولكن الجو الفني في بيته، بوجود العمالقة الثلاثة في حياته، والده وعمه ووالدته، أبعده عن الشعر ليتجه بكل قواه ومواهبه نحو الموسيقى والمسرح، وكان أول لحن «ضلك حبيني يا لوزية» عام 1971 وعمره 15 عاماً فقط. وفي سن الـ17، قدّم زياد أول لحن لوالدته فيروز، عندما كان والده عاصي في المشفى، كتب عمه كلماتها، فكانت «سألوني الناس»، وكانت مسرحية «المحطة» أول ظهور مسرحي له، ثم تبعها بمسرحية «ميس الريم»، حيث قام بكتابة موسيقى المقدمة، فأذهل الحضور بها، بعدها توالت أعماله، واتخذت الشكل السياسي الواقعي جداً، الذي يمس حياة الشعب اليومية، بعيداً عن مسرحيات الرحابنة الأقرب للمثالية، فهو ابن الحرب الأهلية، التي طحنت مشاعر وعظام الكثيرين، وجعلته تجاربه أكثر تطرفاً في مشاعره الاشتراكية الشيوعية.

من أشهر أغاني زياد: «أنا مش كافر»، «اسمع يا رضا»، «بما إنو»، و«ع هدير البوسطة»، التي قال فيها:

«موعود بعيونك أنا موعود/ وشو قطعت كرمالهن ضيع وجرود/ انت عيونك سود ومانك عارفة/ شو بيعملوا فيَّ العيون السود/ ع هدير البوسطة ال كانت ناقلتنا/ من ضيعة حملايا ل ضيعة تنورين/ تذكرتك يا عليا وتذكرت عيونك/ يخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين/ واحد عم ياكل خس واحد عم ياكل تين/ في واحد هوه ومرتو ولوه شو بشعا مرتوه/ نيالُن ما افضى بالن ركاب تنورين/ مش عارفين عيونك يا عليا شو حلوين/ نحنا كنا طالعين طالعين ومش دافعين/ ساعة نهديلو الباب وساعة نعد الركاب/ هادا يللي هوه ومرتو عبئ وداخت مرتو/ وحياتك كان بيتركها تتطلع وحدا ع تنورين لو بيشوف عيونك يا عليا شو حلوييين».

ومن أقواله، التي ستبقى طويلاً في ذاكرة الزمن:

حائرٌ أنا بين أن يبدأ الفرح وألا يبدأ.. مخافةَ أن ينتهي.

في دنيانا يا أمي لا يوجد فستانٌ بشع، ما دام لكلّ فستان واحدةٌ تُحب أن ترتديه.

لو كان الكلامُ كالخبز يُشترى فلا يستطيعُ أحد أن يتكلم

إلا إذا اشترى كلاماً..!

كيف أُفْهِمك يا عصفورَ قَفَصِنا إنني أنا غيرُ أهلي

لا أُحبُّ أن أقتني لا أقفاصاً ولا عصافير.

أتحدّاك بالخطيئة تتحدّاني بالحب، وأَسكت لأننا أنت الحب وأنا لست الخطيئة.

متى ما عرف الطفل أنه من أسراب الطفولة البريئة لم يعد منها.

وربما قال أخيراً: ليتهما يعرفان ان لحظة العمر الأخيرة قد تنزل علينا تأخذنا ونحن نتخاصم!

وربما هذا ما حصل معه، بعد أن تفرق كل الأحبة من حوله، أو كبروا أو لم يعودوا يعنون له أو يعني لهم... الكثير!



أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد