فيصل الشامسي
في خضم تنامي الأزمة السودانية المستمرة منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شهدت الساحة الإعلامية موجة من الافتراءات والأكاذيب والتصريحات المضللة، كان من أبرزها توجيه اتهامات لا أساس لها من الصحة ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، في محاولة للزج بها في الصراع الداخلي السوداني وتحميلها مسؤولية مزاعم دعم أحد أطراف النزاع.
لقد دأبت دولة الإمارات منذ اندلاع الأزمة السودانية على اتخاذ موقف حكيم متزن يدعو إلى الحوار ووقف إطلاق النار، إيماناً منها بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحرصاً على وحدة السودان وسلامة شعبه. وتأتي هذه السياسة انسجاماً مع النهج الثابت المستدام للدبلوماسية الإماراتية وسياساتها الخارجية، التي تضع الاستقرار الإقليمي ومبادئ القانون الدولي في صدارة أولوياتها.
إن اتهام الجيش السوداني لدولة الإمارات بدعم عسكري أو سياسي لقوات الدعم السريع هو افتراء فاضح يخالف الحقائق، ويتجاهل مواقف الإمارات الحقيقية المعلنة والداعمة دوماً لوحدة واستقرار السودان ومؤسساته.
والمتأمل في التاريخ يدرك أنه منذ أن تأسست دولة الإمارات لم تكن في يوم من الأيام طرفاً في إشعال الحروب أو تغذية الانقسامات، بل كانت على الدوام من أوائل الدول التي تبادر في تقديم الدعم الإنساني، كما ظهر جلياً في إرسال المساعدات الطبية والغذائية للسودانيين في معسكرات النزوح داخل السودان وخارجه، وخاصة في تشاد ومصر وجنوب السودان.
ويؤكد المحللون والمراقبون المنصفون لأحداث السودان بأن الهجوم الإعلامي من الجيش السوداني على أنه محاولة لتصدير الأزمة، وخلق «عدو خارجي» يعلّق عليه إخفاقاته العسكرية والسياسية في إدارة المرحلة والأزمة الإنسانية. هي استراتيجية قديمة سبق أن لجأت إليها أطراف عديدة في صراعات مشابهة، للهروب من المساءلة الداخلية وتوحيد الصفوف خلف «خطر مصطنع».
رغم التصعيد الإعلامي غير المسؤول، حافظت الإمارات على حكمتها، ولهجة دبلوماسيتها الرصينة، مؤكدة احترامها للسيادة السودانية، ودعمها لحل سلمي شامل يوقف نزيف الدم السوداني، ولم تنجر إلى المهاترات.
عندما تفشل المؤسسات العسكرية في تحقيق الحسم العسكري أو كسب تأييد شعبي كافٍ، فإنها غالباً ما تلجأ إلى أسلوب تحويل الأنظار، عبر صناعة «عدو خارجي» يحمل عبء الإخفاقات. في الحالة السودانية، وبعد شهور من القتال العبثي الذي أدى إلى انهيار البنية التحتية، وانفلات أمني كارثي، وتدهور اقتصادي، وجد الجيش السوداني في الإمارات شماعة لتأليب الرأي العام، وتصوير الفشل على أنه نتيجة «مؤامرة».
يُدرك الجيش السوداني أن الشارع السوداني، خاصة في أوساط الشباب، بات أكثر وعياً بدور بعض القوى الإقليمية في تأجيج الصراعات العربية. ومن هنا، لجأ إلى استغلال هذا الوعي ولكن بتحريفه، في محاولة لتأليب السودانيين ضد الإمارات، رغم أن الواقع ينفي ويفند كل الادعاءات الباطلة ضد الإمارات، بل على العكس تماماً، كانت الإمارات من الدول الساعية إلى إخماد الفتنة السودانية من خلال جهود التهدئة الدبلوماسية.
من المهم أن نُدرك أن تصريحات الجيش السوداني ضد الإمارات لا تمثل بالضرورة توجهاً وطنياً موحداً، بل هي انعكاس لصراع داخل النخبة العسكرية نفسها. فهناك تيارات في المؤسسة العسكرية السودانية تسعى لإبعاد السودان عن محور «الاعتدال العربي»، واختلاق صراع مع دول الخليج - وفي مقدمتها الإمارات - لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية عبر بوابات أخرى.
تعتمد الحروب الحديثة على التحكم في الرواية الإعلامية، وليس فقط على الانتصارات الميدانية. ومن هنا، لجأ الجيش السوداني إلى حملات منظمة عبر قنوات إعلامية ومواقع إلكترونية محسوبة عليه، بل حتى إلى ترويج تسجيلات مفبركة أو صور مجتزأة، تهدف إلى ترسيخ صورة نمطية سلبية للإمارات في ذهن المواطن السوداني. هذا الأسلوب يعكس ضعفاً استراتيجياً أكثر مما يعكس قوة ميدانية أو سياسية.
وما أحبطته الأجهزة الأمنية المحترفة في دولة الإمارات من محاولة غير مشروعة لشخصيات مرتبطة بقيادات الجيش السوداني، لتمرير كمية من العتاد العسكري للسودان، لهو خير برهان على الأعمال الأجرامية، والمؤامرات التخريبية للجيش السوداني، الذي يستهدف أمن الدول واستقرارها، وقد يكون ذلك لأهداف أيديولوجية وأفكار عبثية، تضر بالأمن السوداني والإقليمي.
لقد أثبت الواقع أن دولة الإمارات بالمرصاد لكل مخرب، والمتأمل في العقود الماضية يجد دولة الإمارات حصناً حصيناً ودرعاً متينة في الوقوف في وجه كل معتدٍ على الوطن وشعبه.
إنّ محاولات الجيش السوداني لتشويه صورة الإمارات لن تغير من الحقائق شيئاً. فدولة الإمارات، بقيادتها الحكيمة وشعبها الوفي، ستبقى في صف الشعوب العربية، ترسخ وتدعو للمحافظة على الأمن والاستقرار، وتدعم جهود السلام والبناء على كافة المستويات؛ ومهما علا صوت الكذب والافتراء والتضليل، فالحقيقة لا تموت، والتاريخ لا يغطى بغربال.
نفخر بأجهزتنا الأمنية التي تتمتع بالاحترافية العالية والحس الأمني القوي في حماية الوطن، وكل من يعيش على ترابه، ونثمن لهم جهدهم المخلص، ونسأل الله أن يعينهم ويسدد خطاهم ويقوي عزائمهم حفاظاً للوطن وصون أمنه وأمانه واستقراره. ونشيد بمؤسساتنا الوطنية المعنية بإنفاذ القانون، على جهودهم الدؤوبة وأعمالهم الحثيثة نحو كشف الحقائق، ومحاسبة كل خائن وكل من يريد الإضرار بأمن الوطن واستقراره.