: آخر تحديث

سوريا و«حِفظ الإخوان»

5
4
5

سوريا كما يعلم كل مهتّم، حافلة بالتنوّع الديني والطائفي والإثني، كما هي حافلة بالتعدّد الثقافي بين تيارات العروبة والإسلامية، والأصولية الغالية، واليسار واليمين والنسويات.

من هنا لا يُمكن حكمها بصفة مركزية ذات لونٍ واحد. حصافةُ الرُشد السياسي تكمن في بناء جامعة وطنية تستوعب الجميع بصدق، ولن تُفلح - حتى لو أرادت ذلك الآن أو لاحقاً - في إلغاء التمايزات الثقافية والدينية.

قبل أيام اشتعلت الاشتباكات الدامية في صحنايا قرب دمشق بين مسلحين مرتبطين بالسلطة وآخرين دروز، موقعة 22 قتيلاً على الأقل.

إلى هنا - رغم فداحة وخطورة ما جرى - يُمكن فهمه في سياق الفوضى والغموض الحالي، لكن الخطير كان في «استنفار» الحالة الدرزية في بلاد الشام، من لبنان للأردن... لفلسطين، أو إسرائيل.

في عقيدة الطائفة الدرزية، أو الموحّدين، كما يسمّون أنفسهم، 7 وصايا جوهرية، منها: صدق اللسان، و«حِفظ الإخوان».

تحت عنوان «حِفظ الإخوان» هذا، تكون حالة التراصّ والتعاضد الدرزي - الدرزي، بصرف النظر عن جنسية كل درزي، وربمّا ساعد هذا المفهوم، عبر التاريخ، في حِفظ الطائفة قليلة العدد، غير التبشيرية، من الذوبان والفناء، رغم أهوال التاريخ في بلاد الشام.

الزعيم الدرزي، وابن بيت الزعامة في لبنان، وليد جنبلاط، قال أول من أمس، من دار الطائفة في فردان ببيروت تعليقاً على هذا المفهوم الدرزي: «حِفظ الإخوان يكون برفض التدخّل الإسرائيلي».

نحن أمام مشروع فتنة كبيرة تحرق الجميع، والأمر حقّاً كما قال مفتي سوريا، الجديد، الشيخ أسامة الرفاعي، على حسابه بـ«فيسبوك»: «لو اشتعلت الفتنة في بلدنا... فكُلّنا، كل أعراقنا وكل أدياننا، كل طوائفنا، كلنا خاسر».

صحيحٌ، أن هناك أصواتاً درزية سورية وغير سورية تطالب بالحماية الإسرائيلية من الجماعات المتطرفة، لكنْ بقي صوت بعض كِبار الدروز، البيك وليد، تؤكد نهائية الانتماء السوري العربي للدروز، في وطن سوري واحد.

الفِتن الدينية والطائفية ليستْ جديدةً في بلاد الشام، منذ ما قبل فتنة 1840، ثم «الفتنة الكبرى» عام 1860 التي اشتعلت نيرانها في لبنان ودمشق وسوريا.

لكن أليس التاريخ مصدراً للعبرة وليس للتكرار؟!

الواجب الأخلاقي والقانوني والتاريخي في «حِفظ الإخوان» يقع على كاهل الدولة التي هي مسؤولة عن الجميع، من دون تفرقة، وبكل وضوح وحزم، وردع ومعاقبة كل الغُلاة المحرّضين... ونحن على فكرة في زمن فوّارٍ بالصور والتوثيق على مدار الساعة.

نعم هناك من يريد تقسيم سوريا، ومنهم إسرائيل أكيد، لكن هناك من يساعد إسرائيل، وغيرها، على ذلك، مباشرة، أو من خلال نتائج أعماله ضد المختلفين، بأي صورة كان هذا الاختلاف... ويدفع الأقليات، أو بعضها، دفعاً نحو التقسيم.

سوريا أولاً... وآخراً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد