في ظل التطور المتسارع لتكنولوجيا التصنيع الحربي وبسبب خطورة بعض الأسلحة الحديثة العهد والخطرة كمنظومات تطوير القتال الجوي والطائرات المسيرة وغيرها، تُعَدّ الطائرات المسيّرة (الدرونز) من أبرز الابتكارات التكنولوجية التي غيّرت المشهد الأمني والعسكري بشكل جذري، فمن كونها أداة استطلاع ومراقبة تطورت لتصبح تهديدًا مباشرًا يتطلب أنظمة دفاعية متقدمة لمواجهتها. في هذا المقال سأستعرض بشكل مختصر التطور الشامل لأنظمة مكافحة الطائرات المسيّرة الحديثة من تقنيات الكشف إلى أنظمة الاعتراض مرورًا بالتحديات المستقبلية.
تُعَدّ عملية كشف الطائرات المسيّرة الصغيرة والمتوسطة الحجم الخطوة الأولى في أي منظومة دفاعية فعالة، وقد شهدت تقنيات الكشف تطورًا ملحوظًا لمواكبة التهديد المتنامي من خلال:
أنظمة الرادار:
بالرغم من أن الرادارات التقليدية قد لا تكون فعالة في رصد الطائرات المسيّرة الصغيرة، فقد ظهرت أجيال جديدة من الرادارات ثنائية وثلاثية الأبعاد المصممة خصيصًا للكشف عن الأجسام الطائرة البطيئة والمنخفضة الارتفاع، وتتميز هذه الرادارات بقدرتها على التمييز بين الطائرات المسيّرة والطيور مما يقلل من الإنذارات الكاذبة.
الاستشعار الحراري والبصري:
تُعَدّ هذه التقنية حاسمة، خاصة في البيئات التي يصعب فيها استخدام الرادار، حيث تعتمد كاميرات الاستشعار الحراري على رصد البصمة الحرارية للطائرة المسيّرة، في حين تستخدم الكاميرات البصرية عالية الدقة خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل الأشكال والحركة وتصنيفها.
أجهزة الكشف الإشعاعي:
تعمل هذه الأجهزة على رصد الإشارات اللاسلكية التي تستخدمها الطائرات المسيّرة للاتصال بالمتحكم الأرضي، وعند التقاط هذه الإشارات يمكن للنظام تحديد موقع الطائرة المسيّرة واتجاهها، وقد أصبحت هذه التقنية أكثر دقة وفعالية في تحديد الأهداف.
بعد الكشف عن الطائرة المسيّرة تأتي مرحلة تحييدها وإعاقة عملها، وتُعَدّ تقنيات التشويش من أكثر الأساليب شيوعًا وفعالية في هذا السياق، ومن هذه التقنيات:
التشويش على إشارات التحكم والاتصال:
تعتمد هذه التقنية على إرسال موجات راديوية قوية على نفس الترددات التي تستخدمها الطائرة المسيّرة للتحكم بها، إذ يؤدي هذا التشويش إلى قطع الاتصال بين الطائرة والمشغل، مما يجعلها تهبط بشكل آمن أو تعود إلى نقطة الانطلاق.
التداخل على نظم الملاحة (GPS):
تُعَدّ هذه التقنية متقدمة للغاية، حيث تستهدف أنظمة الملاحة العالمية التي تعتمد عليها الطائرات المسيّرة لتحديد موقعها، من خلال إرسال إشارات GPS زائفة يتم خداع الطائرة وتوجيهها إلى موقع خاطئ، مما يؤدي إلى فقدانها السيطرة على مسارها أو حتى إسقاطها.
في بعض الحالات قد لا يكون التشويش كافيًا، خاصة إذا كانت الطائرة المسيّرة تعمل بشكل مستقل أو تشكل تهديدًا كبيرًا، في هذه الحالة يتم اللجوء إلى أنظمة الاعتراض المباشر ومنها:
الطائرات المسيّرة المضادة:
تُستخدم طائرات مسيّرة أخرى غالبًا ما تكون مزودة بشباك أو أذرع آلية لاعتراض الطائرات المسيّرة المعادية وإسقاطها أو الإمساك بها، وتتميز هذه الطريقة بكونها غير قاتلة وتقلل من الأضرار الجانبية.
الليزر عالي الطاقة:
تُعَدّ هذه التقنية من أحدث الابتكارات في هذا المجال، إذ يعمل الليزر على إطلاق شعاع عالي الطاقة يتسبب في تدمير الأجزاء الحيوية للطائرة المسيّرة مثل المحركات أو البطاريات في غضون ثوانٍ قليلة، ومن مزايا الليزر سرعته الفائقة وتكلفته المنخفضة نسبيًا لكل طلقة.
أنظمة الصواريخ قصيرة المدى:
تستخدم أنظمة الصواريخ الموجهة قصيرة المدى لاعتراض وتدمير الطائرات المسيّرة الأكبر حجمًا أو تلك التي تحمل حمولات خطيرة، وبالرغم من فعاليتها، إلا أن تكلفة الصاروخ الواحد قد تكون مرتفعة مقارنةً بقيمة الطائرة المسيّرة المستهدفة.
لضمان أعلى معدلات النجاح لا بد من دمج جميع التقنيات المذكورة في منظومة دفاعية متكاملة، تبدأ هذه المنظومة بالكشف المبكر باستخدام الرادار والكاميرات الحرارية، ثم تُرسل البيانات إلى نظام قيادة وتحكم مركزي.
يعمل هذا النظام على تحليل التهديد وتحديد أفضل استجابة ممكنة سواء كانت تشويشًا إلكترونيًا أو اعتراضًا ماديًا، حيث يسمح هذا التكامل بالاستفادة من نقاط قوة كل تقنية مما يوفر طبقات متعددة من الدفاع ويقلل من فرص اختراق المنظومة.
بالرغم من التطورات الهائلة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه أنظمة مكافحة الطائرات المسيّرة، ومن أبرز هذه التحديات تصغير حجم الطائرات المسيّرة وزيادة سرعتها وقدرتها على العمل بشكل مستقل، كما أن تطور تقنيات التخفي يجعل من الصعب على أنظمة الرادار كشفها. وفي المستقبل من المتوقع أن نشهد تطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث ستصبح الأنظمة الدفاعية قادرة على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة، ومن ناحية أخرى من المتوقع أن نشهد تطورًا في أنظمة الطاقة الموجهة مثل الليزر والموجات الميكروية عالية الطاقة لتكون أكثر فعالية في تدمير الأهداف المتعددة.
الخاتمة:
إن التنافس بين التهديدات التي تشكلها الطائرات المسيّرة والأنظمة الدفاعية لمواجهتها هو سباق تكنولوجي مستمر، ولضمان الأمن يجب على الدول والمنظمات الاستثمار في البحث والتطوير ليس فقط لتحسين الأنظمة الحالية، بل لاستباق التهديدات المستقبلية. خلاصة القول إن تطوير إستراتيجيات دفاعية فعالة وحديثة لمواجهة الطائرات المسيّرة بكفاءة عالية لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة ملحة في عالم اليوم.