: آخر تحديث

حفظ النعم قيمة شرعية وحضارية

7
6
7

أحمد محمد الشحي

إن حفظ النعم قيمة حضارية نبيلة، وأساس لتنمية الإنسان وبناء المجتمعات وازدهار الأوطان، كيف لا وهو سبب لصون الموارد والثروات، وتحقيق الاكتفاء وسد الحاجات، وصولاً إلى رغد العيش والرخاء والتنمية والازدهار، وهو السبيل لاستدامة النعم للأجيال القادمة، وتعزيز روح المسؤولية تجاهها وحسن استثمارها لدى أجيال الحاضر.

وقد أولى ديننا الحنيف حفظ النعم اهتماماً بالغاً، فحث على شكرها والمحافظة عليها، وحذَّر من الإسراف والتبذير وجحودها، وجعل الشكر مفتاحاً للزيادة والبركة، وباباً للفوز بمحبة الله تعالى ورضوانه، ويشمل الشكر الاعتراف بالقلب، والحمد باللسان، وترجمة ذلك إلى واقع عملي بحسن الاستفادة من النعمة، وصيانتها.

ومن أسباب حفظ النعم تحلي الأفراد بالثقافة الاستهلاكية الإيجابية تجاه المنتجات المتنوعة التي يحتاجون إليها، وبالأخص تلك التي تطيل أمد استخدام المنتجات، وتمدِّد عمرها، مثل حسن تخزينها، وحفظها من الضياع والتلف، واستخدامها بقدر الحاجة دون إفراط، وإصلاحها إذا أمكن، وعدم استسهال شراء البديل عند أدنى سبب، وعدم البحث عن أحدث الموضات والنسخ دون حاجة فعلية لذلك، وما أجمل أن نغرس هذه الثقافة الواعية في نفوس أبنائنا وبناتنا، فيتربون منذ صغرهم على الاستهلاك الرشيد، والمحافظة على الأشياء التي يمتلكونها، سواء كانت أجهزة إلكترونية أو ألعاباً أو ملابس أو أدوات مدرسية أو غيرها.

ومما يعين على ذلك أن ينظر الإنسان إلى ما يملك بعين التقدير والامتنان، ويجعل سياسته الشرائية سياسة منظمة قائمة على مبدأ الاحتياج والتخطيط السليم، فلا يشتري لمجرد الرغبة في الشراء والامتلاك، أو لمنافسة الآخرين فيما يملكون، أو للتباهي والتفاخر، فليس كل ما يشتهيه الإنسان يحتاجه، وليس كل ما عند غيره يهمه وينفعه، وليس من سياسة النفس أن يتركها الإنسان لينهش فيها الشعور بعقدة النقص تجاه ما يملكه الآخرون، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من ‌أسفل ‌منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله».

وتمتد مظاهر حفظ النعم لتشمل سائر السلوكيات اليومية التي يمارسها الفرد، سواء في أكله أو شربه أو لبسه أو استخدامه للماء والكهرباء أو في اللقاءات والولائم وحفلات الأعراس وغير ذلك، بأن ينهج في ذلك كله نهج الاعتدال والوسطية، دون مغالاة أو هدر، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا، في غير ‌إسراف ولا ‌مَخِيلَة (أي تكبُّر)»، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «كل ما شئت، والبس واشرب ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سَرَف أو مخيلة».

وإن النعم كثيرة لا تنحصر في الماديات فقط، بل تشمل كذلك نعمة الزوجة والأولاد والأقارب والرفقة الصالحة والزملاء الناصحين والجيران المحبين، والمحافظة على هذه النعم من أعظم الغايات والمقاصد، وذلك بحسن التعامل معهم، وحفظ العلاقات معهم من الفتور والنفور والتشاحن والتباغض، وتعاهدهم بالبر والإحسان في القول والعمل، فتدوم بذلك أواصر هذه العلاقات، ويكثر خيرها وبركتها.

ومن أعظم النعم قدراً وأعمُّها أثراً نعمة الوطن المعطاء والقيادة الحكيمة، وقد منَّ الله علينا بهذه الدولة المباركة المزدهرة دولة الإمارات، وبقيادة رشيدة جعلت على عاتقها سعادة شعبها والمقيمين على أرضها، حتى غدوا بفضل الله تعالى من أسعد شعوب الأرض، ومن تمام شكر هذه النعمة العظيمة التحلي بالولاء والانتماء والالتفاف حول القيادة الحكيمة، والمحافظة على القيم المجتمعية الأصيلة، وبالأخص قيم التلاحم والتراحم والتسامح والمحبة والإخاء، فيشتد المجتمع تكاتفاً وتعاوناً، والوطن قوة وصلابة، وقد امتن الله تعالى على خير خلقه ومن معه بهذه النعمة الكبرى فقال: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً}.

ومن أعظم النعم أثراً في حياة البشرية اليوم نعمة الأمن والاستقرار في الأوطان، والناظر اليوم في أحوال بعض المجتمعات يدرك تماماً قيمة هذه النعمة، وكم في فقدها من أضرار عامة وخاصة لا يعلم بمداها إلا الله تعالى، وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم القائل: «من أصبح منكم ‌آمناً ‌في ‌سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا».

إن حفظ النعم مسؤولية شرعية ووطنية، وقيمة إنسانية وحضارية، تبدأ من الفرد وتمتد لتشمل كل أسرة ومؤسسة ومختلف شرائح المجتمع، ليكون الجميع شركاء في المحافظة على النعم والموارد، ويظل وطننا عامراً بالخير والبركة والازدهار.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد