: آخر تحديث

ذئاب في جلود غنم

3
3
3

ميسون الدخيل

الانخراط في ممارسات خادعة لا يؤثر فقط في التصور العام، بل يمكن أن يؤدي إلى عواقب في العالم الحقيقي، ما يزيد من ترسيخ العداوات والصراعات. كتبت من قبل عن انخراط أعضاء الوحدة 8200 في التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي من خلال إنشاء حسابات مزيفة، يتظاهرون بأنهم عرب لتأجيج التوترات بين العرب وإخوتهم من جهة، وبين العرب والغربيين من جهة أخرى، حيث تهدف هذه التكتيكات إلى إذكاء الصراع وإثارة المشاعر السلبية من خلال نشر معلومات مضللة أو المبالغة في الأحداث، ما يؤدي إلى تصور عداء واسع النطاق الذي قد لا يعكس آراء الأغلبية. وعادة ما يؤدي هذا التلاعب إلى خلق انقسامات حيث لا توجد، وتعميق الانقسامات القائمة، والتأثير في التصور العام، وتعزيز الصور النمطية، ومن خلال تقويض الجهود الحقيقية الرامية إلى التفاهم والتعاون، ولهذه الإجراءات عواقب وخيمة في العالم الحقيقي، حيث يزيد من ترسيخ العداوات والصراعات في مشهد معقد بالفعل. ومع ذلك، هناك آخرون مثلهم في العالم الرقمي اليوم. فلقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا أرضًا خصبة للشخصيات المتلاعبة التي تتنكر كحلفاء بينما تعمل على زرع الفتنة، ويمكن لهذه «الذئاب المتخفية في جلود غنم» التي تسمى «controlled opposition»؛ أي المعارضة الخاضعة للرقابة، أن تقود المستخدمين المطمئنين إلى دعم أجندات ضارة تصرف الانتباه عن القضايا الحقيقية، ومن هنا سوف ارمز إليهم بـ«الذئاب». للحديث عن الذئاب، يجب أن أقدم القليل من المعلومات حول العمليات النفسية «Psyops: psychological operations»؛ وهي استراتيجيات تستخدمها الجهات المعادية العسكرية أو الحكومية للتأثير في تصورات وعواطف وسلوكيات الأفراد أو الجماعات. الهدف الأساسي للعمليات النفسية هو تشكيل المواقف والمعتقدات بطريقة تدعم هدفًا محددًا، وغالبًا ما يرتبط بالعمليات العسكرية، ويمكن أن يشمل ذلك نشر معلومات أو دعاية أو معلومات مضللة، لإثارة الارتباك، أو الترويج لروايات معينة، أو تقويض معنويات الخصوم. كما يمكن إجراء العمليات النفسية من خلال قنوات مختلفة، بما في ذلك وسائل الإعلام والمنصات الاجتماعية والتواصل المباشر، وغالبًا ما تستهدف كلًا من القوات المعادية والسكان المدنيين لتحقيق مزايا استراتيجية في حالات الصراع. يرتبط الـ Psyops والذئاب من حيث أن كليهما يتضمن تلاعبًا استراتيجيًا للتأثير في التصورات والسلوكيات؛ فمثلًا تهدف Psyops إلى تشكيل الرأي العام أو معنويات العدو من خلال التكتيكات النفسية، في حين يشير الذئاب إلى ممارسة إنشاء أو إدارة مجموعة تبدو وكأنها تعارض أجندة معينة ولكنها في الواقع تتماشى معها. في السيناريو النفسي، قد تقوم حكومة معادية بدعم أو إنشاء مجموعة «الذئاب» لإعطاء مظهر الاختيار أو المعارضة، وبالتالي تحويل الانتباه أو تحييد السردية الحقيقية، وبهذه الطريقة، يمكنهم الحفاظ على سيطرتهم على السردية والتأكد من أن أي جهة لا تهدد أهدافهم، في نهاية المطاف يسعى كلا التكتيكين إلى التأثير في تفكير الناس واستجابتهم، لكنهم يفعلون ذلك من خلال أساليب وإستراتيجيات مختلفة. يعملون تحت ذريعة دعم السردية بينما يهدفون في الواقع إلى تقويضها، وغالبًا ما تروج هذه الشخصيات لخطاب مثير للانقسام يؤدي إلى تفاقم الغضب والكراهية، ولا يستهدف فقط الروايات التي يزعمون أنهم يدعمونها ولكن أيضًا المجتمعات التي تسعى إلى الحقيقة. على سبيل المثال، تعمل عبارات مثل «إذا كنت أبيض البشرة، فلا تتبعني» على تنفير غالبية التركيبة السكانية الغربية، وتعزيز الانقسام بدلاً من الحوار، وبالمثل، فإن الاستخفاف بالأحداث المأساوية، مثل السخرية من مقتل الأطفال الرضع أو الأطفال من الأطراف المتعارضة، يمكن أن يخلق اشمئزازًا عميقًا يدفع الناس بعيدًا عن المؤيدين الحقيقيين للسردية، ما يدفعهم إلى الاعتقاد خطأً بأن هذا يعكس آراء جميع المعنيين. مثال عندما قرات ما كتبه أحد هؤلاء الذئاب عن مقتل الطفلين «بيباس» مستهزئا بمقتلهم، شعرت فعلًا بالاشمئزاز والغضب ليس فقط لأنه ليس من ديننا أو أخلاقياتنا بل لأني أدركت حينها أنني كنت أتابع شخصية تريد أن تنفر المواطنين في الغرب من العرب والمسلمين وكل من يدعمهم، لقد دق جرس الانتباه في ذهني وشعرت أن وراء الأكمة ما وراءها. ومن الأهمية بمكان أن يكون الأفراد يقظين وأن يتعرفوا على علامات الذئاب. فعند مواجهة الأشخاص المؤثرين أو المحتالين الذين يروجون باستمرار للغضب أو المعلومات المضللة، من المهم التشكيك في دوافعهم؛ فإذا بدت أفعالهم وكأنها تهدف إلى الإضرار بالسردية التي تشجع الخطاب الحقيقي، فقد يكون الوقت قد حان لتحديهم بالحقيقة والأدلة الموثقة، وهذا يمكن أن يساعد في فضح نواياهم وتحميلهم مسؤولية نشر الأكاذيب. علاوة على ذلك، من الضروري الإبلاغ عن هذه الذئاب وتحذير الآخرين بشأن تكتيكاتهم، بالنهاية من خلال رفع مستوى الوعي على منصات التواصل الاجتماعي، يمكن مساعدة الآخرين على التعرف على الحالات التي يتم فيها تضليلهم من خلال الانخراط في المناقشات التي توفر معلومات حقيقية وموثقة لمواجهة الروايات التي تدفعها هذه الشخصيات المخادعة، وهذا لا يمكّن الأفراد من التفكير النقدي فحسب، بل يعزز أيضًا الفهم الجماعي للسردية الحقيقية. وبما أن هذه الذئاب تستهدف في كثير من الأحيان المجتمعات التي بدأت في التشكيك في أصولها أو دوافعها، فقد أصبح تحدي نفوذها أكثر أهمية. لذا شجع من حولك على البحث عن مصادر موثوقة والبقاء على اطلاع على السرديات التي تتوافق حقًا مع قيمهم، ومن خلال تعزيز ثقافة التفكير النقدي والحوار المفتوح، يمكننا إنشاء مجتمع أكثر مرونة يقاوم التكتيكات الانقسامية لهؤلاء الذئاب. دعونا نلتزم بأن نكون مستهلكين فطنين للمعلومات ومناصرين للحقيقة. ومعًا، يمكننا أن نبني مجتمعًا لا يتعرف على الذئاب المتخفية في جلود الغنم فحسب، بل ويتحداهم أيضًا بنشاط، ما يضمن أن تظل جهودنا الجماعية موجهة نحو التغيير الحقيقي للوصول إلى الحق والعدالة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد