في كل مرة يقترب فيها عيدا الاستقلال والتحرير في الخامس والعشرين والسادس والعشرين من شهر نوفمبر الجاري، يقفز إلى الذاكرة موقف رئيس تحرير جريدة الرياض تركي السديري (بوعبدالله) رحمه الله، الذي احتضن مجموعة من الصحافيين في جريدة الرياض، وكنت أحدهم، عندما غزا العراق الكويت في الثاني من أغسطس 1990، بل إن بوعبدالله كان كالأب، وقد ظللنا طوال تلك الفترة كمحررين متفرغين في تلك المؤسسة العتيدة حتى تحررت بلادنا وعدنا إليها.
ما قام به بوعبدالله تجاه الصحافيين الكويتيين ليس غريباً، ولم يكن مفاجئاً، وهو حكاية من حكايات كثيرة زخر بها تاريخ المملكة العربية السعودية الشقيقة، ليس في فترة الغزو فحسب بل قبله وبعده، إذ فتحت أغلب المؤسسات الإعلامية والاقتصادية، الحكومية منها والأهلية، أبوابها للخبرات الكويتية للعمل، وإن بشكل مؤقت، حتى استعادت الحكومة في المنفى المبادرة مرة أخرى، فقد قابلت في حينها الكثير من المواطنين يعملون بشكل مؤقت في البنوك والشركات والإدارات الخاصة.
مثلت تلك الفترة تجربة استثنائية لنا (سليمان الفليح، وجاسم الشمري رحمهما الله وناصر الخالدي)، وغيرهم ممن غابت أسماؤهم بعد كل تلك السنوات، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ليس على صعيد التطور التقني، الذي اطلعنا عليه في مؤسسة عريقة، مثل جريدة الرياض، بل في أجواء الأخوة التي أحسسنا بها منذ اليوم الأول من كوادر الجريدة، بدءاً بمدير التحرير سليمان العصيمي، مروراً بالأخوين محمد النوفل وحمد العسكر، وانتهاءً بالأخوين سالم الغامدي ومحمد النصرالله، إذ ظللنا في فترة حفاوة لم تنتهِ.
تركي السديري رحمه الله قامة إعلامية كبيرة ومتميزة، ليس لها شبيه في الإقليم أو حتى في العالم العربي، مثل أولئك العظام الذين كتب عنهم التاريخ، وقد جمع رحمه الله العلم والفكر وطيب المناقب في بوتقة واحدة، الأمر الذي جعل حبل التواصل قائماً بيننا طوال السنوات الماضية، سواء من خلال اللقاءات في القمم الخليجية، التي كلفت بتغطيتها، وفي اللقاءات التي سبقت تشكيل أول اتحاد خليجي للصحف، أو حتى عن طريق الهاتف في كل المناسبات الإعلامية والاجتماعية.
رحمك الله يا بوعبدالله، وذكراك ستبقى كما هي في قلوبنا.