: آخر تحديث

يوم التأسيس في المملكة العربية السعودية: البيعة، العقد الاجتماعي، وتكوين الدولة

3
3
2

تقف المملكة العربية السعودية شاهداً على إرثٍ عريقٍ وحضارةٍ إنسانيةٍ راسخة. يوم التأسيس، الذي يُحتفى به في الثاني والعشرون من فبراير من كل عام، ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو احتفاءٌ بفكرة تكوين الدولة، وترسيخٌ لمبدأ البيعة والعقد الاجتماعي الذي شكل نواة الكيان السعودي. إنه يومٌ نستذكر فيه كيف تحولت القبائل المتناثرة إلى أمة موحدة، وكيف تحولت الفكرة إلى دولةٍ قائمة على العدل والأمن والاستقرار.

البيعة: الركيزة الأولى لتكوين الدولة
البيعة، في مفهومها الإسلامي والسياسي، ليست مجرد عهدٍ بين الحاكم والمحكوم، بل هي تعبيرٌ عن إرادة مشتركة واختيار حرّ يُجسد الثقة المتبادلة بين الطرفين. ففي عام 1727م، عندما بايع أهالي الدرعية الإمام محمد بن سعود، لم يكن ذلك مجرد حدثٍ سياسي، بل كان تأسيساً لفكرة الدولة القائمة على الشرعية والرضا الشعبي.
البيعة هنا كانت عهداً على تحقيق العدل، وحماية الأمن، وبناء مجتمعٍ يعيش في ظلّ الاستقرار والازدهار. لقد كانت البيعة للإمام محمد بن سعود تعبيراً عن رغبة القبائل في التخلص من الفوضى والتشرذم، والانتقال إلى مرحلة جديدة من الوحدة والتضامن. هذه البيعة لم تكن قسرية أو مفروضة، بل كانت نتاجاً طبيعياً لحاجة المجتمع إلى قيادةٍ تحقق له الأمن وتحميه من التهديدات الخارجية. ومن هنا، أصبحت البيعة الركيزة الأولى لتكوين الدولة السعودية، وأساساً لشرعية الحكم الذي يستمد قوته من رضا الشعب وثقته.

العقد الاجتماعي: الأسس الفلسفية للدولة
إذا كانت البيعة هي التعبير العملي عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فإن العقد الاجتماعي هو الإطار النظري الذي يُفسر هذه العلاقة. فالعقد الاجتماعي، كما ناقشه فلاسفة مثل جون لوك وروسو، هو اتفاقٌ بين أفراد المجتمع على العيش تحت مظلة دولةٍ تحقق لهم الأمن والعدل والاستقرار. وفي حالة الدولة السعودية، كان العقد الاجتماعي قائماً على مبادئ الإسلام وقِيَمِه، التي تُعلي من شأن العدل والمساواة والتضامن.
لقد كان الإمام محمد بن سعود واعياً لأهمية هذا العقد، فحرص على أن تكون دولته قائمةً على العدل والشفافية، وأن تكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة تكاملٍ وتعاونٍ وليس علاقة تسلطٍ وقهر. فالدولة السعودية الأولى لم تكن مجرد كيانٍ سياسي، بل كانت مشروعاً حضارياً يهدف إلى تحقيق الاستقرار والازدهار للمجتمع. ومن هنا، كان العقد الاجتماعي هو الأساس الذي قامت عليه الدولة، وهو الذي أعطى لها شرعيتها واستمراريتها.

تكوين الدولة: من الفوضى إلى النظام
قبل قيام الدولة السعودية، كانت الجزيرة العربية تعيش في حالة من الفوضى والتشرذم، حيث كانت القبائل تتصارع على الموارد والنفوذ، مما أدى إلى انعدام الأمن وانتشار الفقر والجهل ، وجاء الإمام محمد بن سعود ليحول هذه الفوضى إلى نظام، ويحول القبائل المتناحرة إلى أمةٍ موحدة.
كانت الدولة السعودية الأولى نموذجاً فريداً لتكوين الدولة، حيث اعتمدت على تحالف القبائل تحت مظلة واحدة، بدلاً من إخضاعها بالقوة. هذا التحالف لم يكن قائماً على المصالح المادية فحسب، بل كان أيضاً تعبيراً عن رغبة مشتركة في تحقيق الاستقرار والازدهار. لقد كانت الدولة السعودية تجسيداً لفكرة “الأمة”، التي تتجاوز الانتماءات القبلية الضيقة لتحقيق مصلحة عامة مشتركة.

الوحدة الوطنية روح الدولة السعودية
يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى لتأسيس دولة، بل هو احتفاءٌ بفكرة الوحدة الوطنية التي شكلت روح الدولة السعودية. لقد كانت الوحدة الوطنية هي الهدف الأسمى للإمام محمد بن سعود، الذي سعى إلى توحيد القبائل تحت راية واحدة، وتحويلها من كيانات متنافرة إلى أمة واحدة متضامنة.
هذه الروح الوطنية لا تزال حيةً في قلوب السعوديين حتى اليوم. فالمملكة العربية السعودية الحديثة، التي أسسها الملك عبد العزيز آل سعود، هي امتدادٌ لتلك الروح التي أرسى قواعدها الإمام محمد بن سعود. لقد كانت الوحدة الوطنية هي الأساس الذي قامت عليه الدولة السعودية، وهي القيمة التي تحرص المملكة على تعزيزها والحفاظ عليها.

الاستقرار والازدهار ثمار العقد الاجتماعي
منذ قيام الدولة السعودية الأولى، كانت الاستقرار والازدهار هما الثمرة الطبيعية للعقد الاجتماعي الذي جمع بين الحاكم والمحكوم. لقد حرص الإمام محمد بن سعود على توفير الأمن والعدل لشعبه، مما أدى إلى ازدهار الاقتصاد وانتشار العلم والثقافة. هذه القيم، التي كانت أساساً لقيام الدولة السعودية، لا تزال تشكل الركيزة الأساسية للمملكة العربية السعودية الحديثة.
في عهد الملك عبد العزيز، تم تعزيز هذه القيم من خلال بناء دولة مؤسساتية قوية، تعتمد على العدل والشفافية والمساءلة. لقد كانت المملكة العربية السعودية نموذجاً لدولة حديثة، تحرص على تحقيق مصالح شعبها وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية.

يوم التأسيس إحياء للروح الوطنية
يوم التأسيس هو فرصة لإحياء الروح الوطنية التي شكلت أساس الدولة السعودية. ودعوةٌ لتعزيز هذه الروح في حاضرنا ومستقبلنا. إنه يومٌ نحتفل فيه بإرثنا الحضاري، ونستلهم منه الدروس والعبر لمواجهة التحديات المعاصرة.

يوم التأسيس في المملكة العربية السعودية هو أكثر من مجرد ذكرى تاريخية، إنه احتفاءٌ بفكرة البيعة والعقد الاجتماعي الذي شكل نواة الدولة السعودية، وتذكيرٌ بقيم العدل والمساواة والتضامن التي كانت أساساً لقيامها. إنه يومٌ نستلهم فيه من ماضينا العريق الدروس والعبر، ونؤكد فيه التزامنا ببناء مستقبلٍ زاهرٍ لأمتنا. فليكن يوم التأسيس مناسبةً لتعزيز الروح الوطنية، والاعتزاز بإرثنا الحضاري، والسعي نحو تحقيق المزيد من التقدم والازدهار للمملكة العربية السعودية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد