حتى الآن، لم يدرك المسؤولون الإيرانيون أنهم خسروا سوريا إلى الأبد، وسيخسرون ما بقي لهم في لبنان، حتى مع وجود المكون الشيعي الكبير ومعه "حزب الله". فالتحول الجيوسياسي أعمق مما يعتقدون، لأنه لا يقوم على معادلة الحروب الطائفية، بل على معادلة تغيير المنطقة بأسرها في العمق. فإيران، التي ترفض تقبل واقع خروجها من لبنان وسوريا، وقريبًا من العراق نفسه، تعتبر أنها مخولة بالتدخل الأمني والسياسي في لبنان وسوريا، في محاولة لإعادة عقارب الزمن إلى ما قبل ٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٣، وإحياء النفوذ الإيراني في البلدين. ولذلك يستمر اللعب الأمني في سوريا، وتمويل جماعات عملت مع الإيرانيين والنظام السابق، كما يستمر اللعب في الساحة اللبنانية لتمويل "حزب الله"، لا سيما جناحه العسكري والأمني، وتحريض المكون الشيعي ضد مشروع الدولة المتحررة من الهيمنة الإيرانية، والتحريض ضد مطلب حل الجماعات المسلحة في لبنان، سواء كانت لبنانية أو أجنبية، تحت عنوان استمرار ما يسمى "المقاومة".
وضمن هذا السياق سيعمل "حزب الله" يوم الاحد المقبل على تحويل جنازة امينه العام السابق السيد حسن نصرالله الى تظاهرة ضد نزع سلاح الحزب على أساس ان مهمة ما يسمى "مقاومة" لم تنته بعد. وفي الوقت عينه ستكون الجنازة مناسبة لخلق اطار شعبي في سعي لحماية عمليات تهريب أموال الجهازين العسكري والأمني، وتكثيف علمية تهريب الأسلحة ومكونات السلاح النوعي بواسطة عصابات عاملة على الأراضي السورية وتتحرك بين الأخيرة والعراق. كل هذا معناه ان من بقي من قادة الحزب المذكور، ويعملون بأمرة "فلق القدس" مباشرة لم يعترفوا بالوقع الجديد الذي يحتم عليهم حل التنظيمي العسكري- الأمني بالكامل والتحول الى العمل السياسي والاجتماعي بعد الحصول على ترخيص "علم وخبر" من وزارة الداخلية اسوة بجميع الأحزاب السياسية.
انطلاقا مما تقدم، وعلى الرغم من مشاركته في الحكومة الجديدة، فإنه لا يمكن الركون الى "حزب الله"، الذي يبقى مشروعه الأساس هو احياء وظيفته المحلية بتجويف الدولة اللبنانية ومنعها من النهوض، وإعادة انتاج الوظيفة الإقليمية الأمنية-العسكرية التي دمرت الى حد بعيد خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل. فالحزب يبقى بطبيعته جسما غريبا على الواقع اللبناني، ولا يقلل من غربته تمتعه بدعم جمهور كبير ينتمي الى مكون أساسي. فالأغلبية الساحقة من اللبنانيين تتموضع في مكان آخر، وترفض ان تتأقلم مع طبيعة الحزب المذكور المسلحة والعدوانية، كما ترفض هيمنته على القرار السيادي اللبناني كما كان الحال في العقدين الماضيين بفعل تواطؤ البعض واستسلام البعض الآخر، ولامبالاة البعض الثالث. حان أوان التخلص من عبئ سلاح غير شرعي ورط البلاد في حروب لا نهاية لها. دون ان ننسى انه نال من لبنانيين بالاغتيالات والغزوات.
لذلك كله، نقول للحكومة، وفوقها رئيس الجمهورية: يجب التصدي لقضية سلاح "حزب الله" بلا إبطاء. ومن دون التورط في "حوار" أو نقاش لا طائل منهما، يجب وضع جدول زمني لتسليم كل السلاح والبنى التحتية العسكرية والأمنية إلى الجيش اللبناني في أسرع وقت. فطالما بقي "حزب الله" ممسكًا بسلاحه غير الشرعي، لن تقوم للبنان قيامة.