: آخر تحديث

النَّرجسية... مرايا الشيطان التي تخدع أصحابها

3
4
3

مبارك الهزاع

هناك في زوايا النفس البشرية ظلالٌ خادعة، توهِم الإنسان بأنه محور الكون، وأن الآخرين مجرّد كواكب تدور في فَلَكه. هذه الظلال تسمى النرجسية، وهي ليست مجرد صفةٍ نفسية، بل هي انعكاس لجوهرٍ أكثر ظلاماً، لروحٍ تنبض بالكِبْر والأنانية، روحٍ تحمل ملامح الشيطان نفسه.

منذ الأزل، كان الشيطان هو النموذج الأول للنرجسية المطلقة، حين وقف في كبريائه رافضاً السجود لآدم، عليه السلام، معلناً تفوّقه، مستهيناً بالحكمة الإلهية. كان يرى نفسه الأحق، الأجدر، الأعلى شأناً، ولم يكن يرى في الآخرين سوى كائناتٍ أدنى منه، وهكذا، يسير النرجسيّ في دربه، مستنسِخاً تلك الفكرة الشيطانية، غير مدركٍ أنه كلما ازداد غروره، اقترب من الهاوية.

النَّرجسيّ لا يعترف بالخطأ، لأن اعترافه يعني هدم الصورة الزائفة التي رسمها لنفسه. لا يرى إلا نجاحاته، حتى وإن كانت على حساب الآخرين، يتلاعب بالمشاعر، ويقتات على إعجاب الناس به، وحين لا يجد من يصفق له، يخلق الوهم بنفسه، ويعيش فيه. تماماً كما يوسوس الشيطان للإنسان، يوهمه بأنه الأعلى والأحق، ثم يتركه ليواجه سقوطه المحتوم.

لكن النرجسي لا يدرك أنه، مهما ارتفع، فإن سقوطه قادم. فالتاريخ مليء بمن ظنوا أنهم فوق الجميع، ثم لم يبقَ منهم سوى درسٍ قاسٍ في كتب العِبرة. وكما طُرد الشيطان من رحمة الله بسبب غروره، فإن النَّرجسيَّ يُطرد من قلوب الناس، ويجد نفسه في نهاية المطاف وحيداً، تحيط به مراياه المحطّمة، وتبتلعه الظلمة التي صنعها بيديه.

فاحذر أن تكون ممن يخدعهم بريق الأنا، فالنَّرجسية ليست إلا باباً من أبواب الشيطان، يفتحه للغافلين، ليقودهم حيث لا عودة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد