مبارك الهزاع
حين نُمعن النظر في ماهية الحب، نجد أنه مفهوم عميق يتجاوز التعريفات البسيطة. الحب، كما يتداوله البشر، ليس سوى انعكاس للاحتياج. نحن في جوهرنا كائنات ناقصة، نبحث عن شيء يكملنا. لكن هل يمكن لإنسانٍ ناقص أن يُكمل نقص إنسانٍ آخر؟
الحب بين البشر كثيراً ما يقوم على الاحتياج الدنيوي. نحب لأننا نحتاج إلى الدعم، إلى التفاهم، إلى شعور بالأمان والقبول. هذا الحب رغم جماله، يبقى مشوباً بالنقص والتعلق. هو علاقة تقتضي الأخذ والعطاء، مشروطة بحاجات تُلبّى ورغبات تتحقق. وحين تنقطع تلك الحاجات أو تتبدل، قد ينقلب الحب إلى برود، وربما جفاء.
لكن هذا التعلق الإنساني يحتاج إلى ميزان يضبطه. وذاك الميزان هو الاحترام والمودة والرحمة. هذه الثلاثية لا ترفع الحب إلى الكمال، لكنها تنظم العلاقة بين البشر، وتجعلها قابلة للاستمرار.
أما الحب الإلهي، فهو أسمى درجات الحب. هو حبٌ لا يقوم على احتياج، بل على إقرار بأننا ناقصون من دونه. هو حبٌ يمنحك الطمأنينة دون أن يطلب منك شيئاً سوى الإخلاص. الله وحده هو الكمال، وحين تحب الله، فإنك تتصل بمصدر الحياة والوجود.
الحب الإلهي يُغنيك عن تعلقك بالخلق والماديات، لأنه يملأ الفراغ الذي يعجز أي إنسان عن ملئه. الله لا يتغير، لا يخذلك، ولا يطلب مقابلاً لحبه. وحين يكون قلبك ممتلئاً بحب الله، فإنك تحب الآخرين بحبٍ نقي، لا تعكر صفوه الأنانية ولا تشوبه المطامع.
الحب في جوهره محاولة لتوفيق النقص الذي فينا. لكن لا يفي هذا النقص حقه إلا الله. البشر، بضعفهم، لا يستطيعون سد فجوات أنفسهم، فكيف لهم أن يسدوا فجواتك؟ لهذا، فإن أعلى مراتب الحب هي حب الله، لأنه حبٌ يُغنيك عن كل شيء ويمنحك كلّ شيء.
فلننظم علاقاتنا البشرية على الاحترام والمودة والرحمة، دون أن نثقل كواهلها بتوقعات الكمال. ولنملأ قلوبنا بحب الله، لأنه وحده الحب الذي يُعطيك دون أن يطلب، ويكملك دون أن يُنقصك.