كما سيكون بإمكان الحكومات إدارة المدن الذكية، والتحكم عن بعد في حركة المرور، ومحطات التكرير والطاقة وأجهزة مراقبة الحدود، والموانئ، بأنواعها. وستدار المستشفيات والمزارع والمصانع بطريقة آلية من خلال بشر أو روبوتات تعمل بطريقة أفضل من الإنسان، فهي لا تحتاج إلى فترات راحة ولا إجازات سنوية أو دورية ولا حمل أو مرض، ولا يمكن تغيير قراراتها بالرشوة، أو شراء ذمتها. وستحقق الدول المتقدمة تقدماً أكبر وستتسع الفجوة العلمية والاقتصادية والأمنية مع دولنا، لعجزنا، أو بالأحرى عدم رغبتنا في مجارات الثورة الرقمية القادمة، وهذا سيؤثر سلباً في أمننا واستقلالنا، وبالتالي زيادة اعتمادنا وتبعيتنا للغرب، وعجزنا عن التعامل مع أي مشكلة تواجهها من دون دعم أو مساعدة خارجية، مع تسارع التطور في أنظمتها بحيث أصبح الأمر لا يتطلب إلا التفكير في أن الغرفة بحاجة إلى إضاءة كافية لكي تزيد من تلقاء نفسها، وهكذا مع الأمور الأخرى، من دون لمس أي زر أو القيام بأي حركة جسدية، وهذا سيمكن الإنسان من أداء عشرات المهام في اللحظة نفسها من دون التحرك من مكانه.
باختصار، الموضوع طويل ومسلٍّ بقدر ما هو مثير ومرعب، فالغرب سوف يكتفون بالتقدم والتطور، ونحن وقوفاً نراقبهم فاغري الأفواه، بل وسيتجاوزوننا بمراحل وسنتخلف أكثر وستضعف قوانا مع استمرار تمسكنا بالقشور وغير الحيوي من الأمور، وستستمر فئات لا هم لها غير جمع المال من خلال استغلال الدين، وتسويق أفكارها على السذج من الجماهير، في الوقت الذي تحدث فيه، ثورات علمية وانقلابات تكنولوجية هائلة.
في خضم كل هذه المستجدات، كيف يمكن تصديق أن دولنا، والخليجية بالذات، والكويت بالتحديد، أصبحت متخصصة أخيراً في إرسال «دعاة سليبرتي، أو فاشينستا»، للعواصم الغربية، لإقامة المناسبات، وهم في كامل أناقتهم، المكلفة جداً، مستعرضين أزياءهم وفخامة المركبات التي تقلهم لإلقاء محاضراتهم، في تضاد صارخ مع صورة رجل الدين، سائرين على خطوات من سبقهم من رجال دين «مودرن»، لا يمتازون بشيء غير حفظهم نصوصاً محددة، وأناقة مفطرة. وغريب أن يصبح هؤلاء هم القدوة والذين تهفو أفئدة الجماهير لهم، وتجد الآلاف، في حلهم وترحالهم.
إن امتلاكنا لـ«كم بيزة» لن يحمينا من تصاريف الزمان، فالروبوتات الغربية قادمة، وهي التي ستتحكم فينا غالباً، وتصبح أكثر استقلالية وقادرة على أداء مهام معقدة، وستصبح شريكة لنا بقدراتها العالية، وسيكون التخلص منها مستحيلاً، ولكن مالكيها أو مبرمجيها هم الذين سيتحكمون بنا وفينا. كما أن مهناً ثانوية عديدة تعتمد الكثير من شعوبنا على أدائها، هي في طريقها للاختفاء، لأن الروبوتات ستقوم بها، وستظهر فرص عمل جديدة في مجال هندسة الفضاء وغيرها لكننا لا نعرف شيئاً عنها، أو بالأحرى لا نود معرفة شيء عنها.
أحمد الصراف